دعم الموسوعة:
Menu
شوقي أنيس عمار

و للشعر موّال حُسیني

 

لقد استعرض الدکتور شوقي أنیس عمار " دیوان الموّال (الزهیري) " من " دائرة المعارف الحسینیة " باللغة العربیة:

 

 و ما الشعر إلا ذاك التوغل في الحنین إلى الأصالة الإنسانیة، إنه الحنین إلى تلك اللحظة الحاسمة عند خاصرة المکان ومدار الزمان، کالانطلاق من العقل إلى العقل ومن القلب إلى القلب فلا فرق، لطالما اللحظة مطلق و المطلق رؤیا، " و عندما تتسع الرؤیا تضیق العبارات " … 

 و الشعر هو امتداد العبارات الصادقة أبداً، ما کانوا على حق عندما قالوا : " أروع الشعر أکذبُه : "، فأروع الشعر أصدقه، و أصدق الشعر أقربه إلى الفرح و الجرح.

 و لا یوجد في الدنیا شعر أقرب إلینا من شعرنا الشعبي، أي الشعر المنظوم بالفطرة و العفویة و البرکة و حبّ الناس … فإذا کان المثل الشعبي لسان الأمة و صوت الله (عَزَّ و جَلَّ )، فالشعر الشعبي هو أصدق أمثالنا و عاداتنا و تقالیدنا …

 و عندما نقول الشعر الشعبي قد یتبادر إلى الأذهان هناك ثمة شعر غیر شعبي … لکن هذا وَهْم لا أکثر … فالمقصود بالشعر الشعبي أو الشعر العامي الشعر الذي ینشأ دائماً في بیوت الفقراء، فیرتبط بمعاناتهم و سعاداتهم و علاقاتهم الاجتماعیة … إنه ابن البساطة و الحرمان و الأصالة …

 و ما الموال (أو الموالیا) إلا ضربٌ من ضروب الشعر العربي، نُظم على البحر البسیط، و اختلف الباحثون حول نشأته و أصوله، إنما یبقى الأساس صحیحا، و هو أن الموال عراقيّ السَّحنة، و بغداديّ اللکنة و واسطيّ المغنى … و إذا کان لابد من إعطاء رأینا الخاص (بتواضع و محبة )، إننا نرى فی روایة السیوطي نکهة صدق و منطق، و على طریقة المثل اللبناني الدارج : " کذْب مْرَسْتَق و لا صِدْق مْجَعْلَك " (أي کذب منطقي أقرب إلى العقل من الصدق اللامنطقي).

 أما الکتاب الذي نحن بصدده : " دیوان الموال – الزهیري "، و أحبَّ مؤلفه الکریم أن نرسمَ حوله بعض کلمات مُخَرْطَشَة و مُتناثرة لعلها تصلح لأن تکون مقدمة، طالبین من الله (عَزَّ و جَلَّ) أن یهدینا فیوفقنا في تحقیق نیّة الإقدام و العطاء …

 فالدیوان و قبل أن ندخل في مضمونه الحسیني، یشکّل مرجعاً علمیاً (بمعنى البحث و التوثیق و التحلیل) و أدبیاً0 بمعنى الجوهر و الشکل و استعمال اللغة ). فأتت أول مئة صفحة من الدیوان على شکل دراسة موسوعیة لشعر الموال و جذور نشأته و تطوره عبر التاریخ الطویل … و کما أن استعمال الحواشي في أسفل الصفحات أضاف إلى النص غنىً و عرفاناً و میلاً واضحاً في قلب المؤلف للأمانة، و ما أصعب الأمانة في عصرٍ أخذ بعضُ رجالاته یُغالون بالکذب و السرقة و التزویر و تحویر الانتصارات … فان حرص الدکتور الشیخ محمد صادق بن محمد الکرباسي على الأمانة و إعطاء کل ذي حق حقه، و إن دلّ فهو یدل على أصالته و إنسانیته و احترام الآخرین و عدم تعریض ذمته لأي التباس أو اکتساب حرام و غیر مشروع (لا سمح الله) و هذا هو الإسلام أو المسیحیة، فالدین معاملة بالصدق وبالأمانة قبل کل شيء …

 و حول مضمون الدیوان لا یسعني إلا أن أشکر الأستاذ الشیخ الکرباسي على جهوده الرائعة في تجمیع هذا التراث الحسینی العظیم، و شرح معاني المواویل، کي یوفرها لأجیال لم تولد بعد.

        فالمسیرة الحسینیّة وهي بغنىً عن التعریف، شکّلت منذ نشأتها نهجاً واضحاً لرفض الظلم والقهر والتعذیب واستلاب حریّات الناس … فالحسین (علیه السلام) کان صاحب هذا حق ولذا استشهد معذباً بکرامته ومجد وعنفوان … إن "انتصار یزید" لم یُسقط عنه ذلك الحق، و الأیام أثبتت بدورها أن الانتصار الحقیقي کان من حظ الحسین…

 فالمسیرة الحسینیة وهي بغنىً عن التعریف، شکّلت منذ نشأتها نهجاً واضحاً لرفض الظلم و القهر و التعذیب واستلاب حریات الناس … فالحسین (علیه السلام) کان صاحب هذا حق ولذا استشهد معذباً بکرامته و مجد وعنفوان … إن "انتصار یزید" لم یُسقط عنه ذلك الحق، و الأیام أثبتت بدورها أن الانتصار الحقیقي کان من حظ الحسین…

 فالموال الزهیري یُشکل تعبیراً صادقاً عن سیرة الحسین (ع) و عن سیرة أهل البیت … و من موقعي الخاص کباحث فی الأدب الشعبي أرى و من باب النقد الصادق، إنه قد آن الأوان للمنبر الحسیني أن یُلامس الفرح بعد هذا الغرق الطویل فی بحور الحزن و البکاء … فکما الحزن کذلك الفرح تمظهرات لخوالج النفس و الروح … فعلى الإنسان دائما أن یتکیف مع الواقع و علیه أن یتقبل إرادة الله و مشیئته بطاعة و صبر و قدرة على التحمّل و قفز فوق الجراح، و کما یقول المثل الشعبي : " لقد مات النبی و تدبّرت أمّته " …

 فنحن نعیش على مشارف ألفیّة ثالثة تتمیز بانقلاب جذري فی العلاقات الاجتماعیة، أی ألفیة المعلوماتیة والتکنولوجیا اللامتناهیة … و من هنا نرى أن المنبر الحسیني یجب أن یدخل فی لغة العصر من کل الأبواب : " الشعر "، " الموسیقى "، " المسرح "، " البکاء "، " الفرح "، " الرسم "، " الکومبیوتر "، الخ.

 فالطبیعة تحب التنوع، و الله (عَزَّ و جَلَّ) خلقنا متنوعین في کل شیء. فالغابة تحمل فی أحشاء ترابها الشجرة، والنبتة، و الزهرة، و الحشرات، و الأقشاش، و الماء، و الأحجار، الخ … و کما الطبیعة کذا طبیعتنا الإنسانیة تحمل في حنایانا الفرح، و الحب، و الدمعة، و السعادة، و الضحك، و البکاء، و الکره، و الانفعال، و الهدوء و کل ما وهبنا إیاه الله من جلال عظمته و نعمه الکریمة …

لذلك سیبقى المنبر الحسیني أداة رفض للشر و أداة نصر للخیر … و عندما نقول المنبر الحسیني نکون قد عنینا کل المعذَّبین و المضطَهدین و المشردین و المحرومین زوراً و غطرسة ….

 و لم یبق سوى أن نتمنى التوفیق للباحث الکبیر الأستاذ الکرباسي على موسوعته الرائعة و الهادفة، کما نهنيء الشِّعْرَ بدیوانه الزهیري، و نقول بفرح عمیق : " و للشعر موال حسیني ".

                                             

20/7/2001

"مرکز دیوان خلات الأنیس" عین غنوب – لبنان

Lebanon الدکتور شوقي أنیس عمار