دعم الموسوعة:
Menu
Kostantin Matveev

ظاهرة غیر عادیة

 

استعرض البروفیسور قسطنطین ماتییف، الباحث في الشؤون الإسلامیة والعربیة في روسیا الإتحادیة،

الجزء الأول من دیوان الأبوذیة من دائرة المعارف الحسینیة، وقد تمّ ترجمة النص الروسي الى العربیة.

  

لم یترك مؤسس الدین الإسلامي الرسول محمّد خلیفة، وحتى لم یذکر اسمه. ومات أبناءه الذین من المفترض أن یکونوا خلفاءه، فی بدایة طفولتهم. ولکن أصبح لواحدة من بناته، وهي فاطمة، ولدان من زواجها بعلي ابن عم رسول الله ، هما الحسن والحسین.

وبعد وفاة رسول الله في عام 632، جاء الى سلطة الخلافة أبو بکر (632 - 634 م) وبعد ذلك جاء الى سدّة الخلافة ثلاثة آخرون هم :

عمر (634 – 644 م) وعثمان (644 – 656 م) وعلي (656 – 661 م)

والأخیر هو ابن أبي طالب وزوج فاطمة، وعندما قـُتل عليّ فی عام 661 م ، بایع أنصاره فی العراق ولده الأکبر الحسن کخلیفةٍ للمسلمین. ولکن الامام الحسن کان مضطراً الى أن یرفض ویترك أمر الخلافة العربیة تحت ضغط والي سوریة (معاویة) الذي کان من من بني أمیة، الذین کانوا یکیدون المکائد لانتـزاع السلطة بصورة غیر مشروعة وقانونـیة، حتى في فترة خلافة الامـام علي عام (660 م). وبعد تنازله عن الخلافة، بقي الامام الحسن في مدینة جدّه (المدینة) حتى وفاته فیها عام (669 م)

وقد ظهر معاویة (660 – 680 م) على مسرح السیاسیة في حدود عام 640 م ، بعدما عیّنه الخلیفة عمر والیاً على الشام في دمشق. وطوال تلك السنین، لم یقـتـنع معاویـة بهذا الأمر، بل قام بکل الترتیبات والاستعدادات للاستیلاء على السلطة السیاسیة والدینیة في الخلافة العربیة. والى وقت اغتیال الإمام الخلیفة عليّ. کان معاویة یملك قاعدة سیاسیة واقتصادیة قـویة مقتدرة، وجیشاً قویاً فی الشام. ولهذا فقد أصبح باستطاعته أن یقـفز وینتـزع سلطة الخلافة العربیة، ویعلن نفسه خلیفةً رسمیاً عام (661 م) من مقرّ ولایته فی دمشق، التي نقل الیها مقرّ الخلافة الإسلامیة، من المدینة المنورة.

وفیما بعد، عیّن معاویة ابنه یزید ولیّـاً لعهده، وعندما جاء هذا الأخیـر الى سدّة الحکم عام (680 م)، کان الصراع من أجل سلطة الخلافة العربیة لم یأخذ نطاقاً واسعاً بعد. لکنه أخذ یتسع فیما بین یزید والأبن الأصغر للإمام عليّ، أي الإمام الحسین، الذي أراد إحقاق الحق والعدل ورفع الظـلم عن الأمة، وأعلن عدم أحقیّة یزید بالخلافة.

وکان أنصار الإمام الحسین في العراق ، هم الشیعة الذین ثاروا علانیةً ضد یزید وطلبوا الإمام الحسین وألحّوا علیه، لأن یعلن الاستعداد للانتـفاضة في العراق. وکان الإمام الحسین یعیش في مکـة في ذلك الوقت، وکانت قد ظهرت حرکة عقائـدیة وسیاسیة قویة جداً، ضد یزید وأعوانه، في المدن المقدسة وهي مکة والمدینة. ومن المعلوم أن بني أمیّة أنشأوا لأنفسهم أسلوب حیاة متمیزاً في بلاد الشام، وعبّروا عن وجهات نظر تختـلف تماماً عن تلك التي کان یؤمن بها أهـل المدینة الملتزمون دینیاً، والذین صاروا یشکّون حتى بإسلام یزید وبني أمیة. ونتیجة لذلك أصبح ممثلو المدرسة الدینیة في المدینة والموالین للرسول ولأهل البـیت یتحرکون باتجاه العراق، ولذلك فقد أصبح الشیعة وأتباعهم مهیّـئین عقائدیاً للانقضاض على بني أمیة، وکانوا مستعدین لاستبدال یزید في أي وقـت مناسب لذلك. وقد حان ذلك الوقت، عند تسلم یزید منصب خلیفة المسلمین عام (680 م)

وکان الإمام الحسین قد بعث الى العراق أحد أقاربه لاستطلاع واقع الحال هناك، وکان هذا المبعوث قد حصل على تأیـید ودعم أهل العراق، ووعدهم بالدعم والمشارکة الفعلیة في الانتـفاضة، ولکن الذی حدث هو أن عبـید الله بن زیاد أصبح والیـاً على العراق بأمر من یزید، وقد عَلِمَ الإمام الحسیـن بهذا الأمر، وهو في طریقه الى الکوفة، المکان الذي کان یُـفترض فیه أن یلتـقی بالمنتـفضین ویتّحد معهم.

وقد رافق الإمام الحسین جیش مؤلف من 300 شخص، کان أغلبهم من أقربائه وأنصاره. وقد حشّد عبـید الله بن زیاد قوات عسکریة، في مواجهة الإمام الحسین، یبلغ عدد أفرادها أربعة آلاف مقاتل تقریباً، وقد تمّ حشد القوات المذکورة فی منطقة تدعى کربلاء، وهي تبعد 40 کم عن الکوفة. وقد طوَّقـت قوات ابن زیاد، الحسین وأهله وأصحابه، وتمتّ تصفیتهم جمیعاً.

وهکذا، فقد استـشهد الامام الحسیـن استـشهاد الأبطال، وقد حدث ذلك في العاشر من محرم عام (680 م). وکان لمقـتله، بهذه الطریقة البشعة والبربریة النکراء، نتائج وآثار سیاسیة ودینیة کبـیرة، على مسلمي العالم أجمع.

وقد دقّت هذه الأحداث المؤلمة والتراجیدیة إسفیناً وشقاقاً بین المسلمین – السُنة والشیعة – واستمر التصدّع في جدار العلاقات بین الطائفتین حتى یومنا هذا.

وأصبح مقـتل الإمام الحسین بشکل دموي، لا لشيء إلا لأنه أراد أن یُرسي قواعد الحق والعدالة ویُعید سیرة جدّه رسول الله، رمزاً لنضال المسلمین الشیعة في سبـیل مستقبل واعدٍ وخیِّر، وهم یحافظون الیوم على مباديء واسم الامام الحسین بکل أمانة وثـقة واعتـزاز.

ومن خلال الحسین ومأثرته، ظهرت عظمـة شخصیته واتّساع فکره الجـهادي وذلك بتقدیم نفسه وأهله قرابـین لمصلحة الأمة الإسلامــیة والشیعة على وجه التحدید، الذین سانـدوا أبناءه على مدى الدهر.

ومنذ ذلك الوقت البعید – أحداث المقـتل – ولحد الآن یعتبر الشیعة الإمام الحسین المدافع الحقیقي عن الأمة، والانسان الذي امتلك الإرث الإلهي والخصال المحمدیة، والبعید کل البعد عن أیة طموحات سیاسیة، الساعي لإحیاء وإنهاض دین جده النبي محمد.

وکان لمقـتل الإمام الحسین أثر کبـیر في إذکاء نار العدید من الثورات الدمویة لشـیعة العراق، وأطول وأکبر ثورة من بـینها، هي ثورة المختار الثـقفي التي استمرت عامین من (685 – 687م) وقد تم قمع کل هذه الثورات بقسوة ووحشیة، وکان مصیر الثوار الإعدام، ولکن هذه القسوة لم تمح من ذاکرة الأمة مأثرة الإمام الحسین حتى الآن، بالرغم من المحاولات العدیدة لطمس حقیقة ثورة سید الشهداء.

وقد مضى 1316 سنة من ذلك العهد الذي قُتل فیه الإمام الحسین، إلا أن مقـتله یبقى حیاً في ذاکرة الأمة على الدوام، وتُستعاد أحداث المقـتل، وکأنها حدثت أمس أو الیوم.

ولابد من الإشارة أیضاً الى أن المثل الذي ضربه الإمام الحسین واستـشهاده بهذه الصورة الدمویة له أهمیة فلسفیة تاریخیة وحضاریة کبرى. فقد قرر الإمام الحسین الاستـشهاد والموت حتى یستطیع بذلك أن یُدافع بموته عن حقوق الأمة المهدورة بأیدي حکام بني أمیة، وإعادتها الى مباديء الدین الحنیف، کما أرسیت فی البدایة على ید جده الرسول الأکرم.

وبدم الإمام الحسین ودم صحبه وأهله، دُفع الثمن لقاء حقوق الانسان وحریته.

وفي کل عام، یحیي الشیعة في العاشر من محرم ذکرى استـشهاد الإمام الحسین، ویستمر هذا الإحیاء (40) یوماً. وبناءً على المذهب الشیعي، لا یُسمح في تلك الفترة بأیة مظاهر للفرح أو عقد القَران أو حضور الأحداث الفنیة أو المسرح أو حتى حلق الرؤوس.

وخلال هذه الحقبة من الزمن، استطاع الشیعة أن ینتجوا تراثاً ضخماً من الأدب الشعبی والنثر تکریماً للإمام الحسین وتیمّناً بإسمه وحیاته. وإحدى هذه المبادرات الهادفة الى تخلید اسم الحسین هي سلسلة الکتب التی یصدرها العالم العراقی والباحث المعروف الذی تـتـناول أبحاثه حیاة وأعمال الإمام الحسین، وهو محمد صادق – الکرباسي – وهذه السلسلة ستکون بحدود (300) مجلد مخصصة لدراسة مختـلف الموضوعات التاریخیة والفلسفیة والحضاریة والدینیة والعادات والتـقالید، وغیرها. وکل مجلد من هذه المجلدات یحتوي على مقدمة مکتوبة من قِبل العلماء بمختلف اللغات، وبصورتها الأصلیة. وسیتم التقدیم لکل من هذه المجلدات بواسطة – الکرباسي – باللغة العربـیة، ویتضمن شرح أهداف ومهام کل مجلد على حدة.

وهذا المجلد الذي بـین یدي القارىء ( دیوان الأبوذیة ) هو أول محاولة من هذا النوع، وتُقدم من خلاله للقاريء نماذج من الشعر الفولکلوري العراقي الشائع في الجنوب (من بغداد الى البصرة، وفي منطقة خوزستان الایرانیة أیضاً ) والمنظوم على مدى مائة عام.

والأبوذیة هي نوع من الأدب والنـثر الواسع الانتـشار والمتـداول شفهـیاً. ومن الصعوبة بمکان تحدید بدایة ظهور الأبوذیة. ویظهر من بعض المعطیات التاریخیة أن الأبوذیة ظهرت فی القرن التاسع الهجري. ومنذ ذلك الوقت، واستـناداً الى قول الکاتب العربي ( الخاقـاني ) أنشأت وتکونت مجموعة رائعة من شعـر وأدب الأبوذیة. ووجد هذا الفن انتـشاراً واسعاً أکثر من أی نوع آخر من أنواع الأدب الشعبي.

فی هذا النوع من الأدب الشعری تظهر قوة الوصف والرقة والعذوبة. والأبوذیة هی الأقرب الى الفهم العاطفي والروحي والذي یسري في الأوصال ممتزجاً بأحاسیس الحب. والإحساس بالحب یُـثیر الشيء الکثیر فی المُحبّ.

وهذا النوع من الشعر یدخل فی الأغاني الریفیّـة، والنـثر والشعر یلهب المشاعر والأحاسیس، ویزید من جمالیة الإیقاع الموسیقی. وإذا کان المغنّي یجید الغناء، فإن ذلك سوف یضاعف من الإحساس بالاستحسان بلا شك.

وهذا المجلد – هو الکتاب الأول من مجموعة المجلدات المخصصة لتخلید ذکرى الإمام الحسین - یتألف من ثمانیة کتب.

في مقدمة الجزء یُعرّف – الکرباسي – القاريء تاریخ نـشوء الابوذیة وبـیئـتها الجغرافیة، والتوزیع السکاني لمستخدمي هذا اللون من الشعر الشعبي. وکذا مصدر تسمیتها بالأبوذیة، وآراء العلماء والکتّاب والمؤرخین حول جذور هذه التسمیة.

فی الجزء المتعلق بالتوزیع السکاني لمستخدمي هذا الفن، نطلع على أنهم یعیشون ویوجدون في مدن وقرى جنوب العراق، بدءً من بغداد وحتى مدینة البصرة، المیناء العراقی الجنوبي، مضافاً الى منطقة خوزستان، وهي إحدى مقاطعات إیران. وبالرغم من هذا التوزیع الجغرافي ومنذ مئات السنین، فان الأبوذیة تبقى مفهومة من قبل سکان هذه المناطق.

إن الإیقاع الشعری للأبوذیة رباعي. والتوزیع الإیقاعي متماثل للأسطر الثلاثة الاولى، بـینما ینتهي السطر الرابع منه دائما ینتهی بـ ( یّـه)

ویحاول الکرباسي إظهار التاریخ والفلسفة ومباديء الدین والعلاقة بـین شیعة العراق وخوزستان وبـین ملهمهم الروحي والمدافع عن العدالة الدینیة والاجتماعیة، من خلال الفلکلور الشعري لسکان جنوب العراق وخوزستان.

ویستعید شیعة العراق وعموم العالم منذ البدء ذکرى مقتل الامام الحسین بهذه الطریقة فقط، ولم یستطیعوا المحافظة على هذا التراث الحسیني فحسب، بل وأوصلوه الى الأجیال المتعاقبة من خلال القراءة والتعزیة الحسینیة بصورة عامة، ومن خلال الفولکلور الشعري بصورة خاصة.

وتکمن الصعوبة التي واجهت مؤلف هذا المجلد لیس فقط في جمع أمثلة شعریة من بین مستخدمي وفطاحل هذا الفن، بل وشرح معاني تلك الأشعار، وقد استطاع الکرباسي أن یقوم بهذه المهمة على أکمل وجه. ونستطیع أن نقول إن عمله یتمثل باکتشاف العلماء والاختصاصیّـین العرب فی مجال التاریخ والأدب والفلسفة والدین وحتى الفولکلوریّـین.

وقد استهدف الکرباسي باصداراته المتعددة الأجزاء هذه :

* إذکاء الروح الدینیة بین المسلمین، وإحیاء وتقویة ذِکرْ الإمام الحسین (ع) في مجالات الأدب والتاریخ والدین والفلسفة.

* على الرغم من ان تضحیة الإمام الحسین ومأثرته العظیمة، تجعل من الصعوبة بمکان إضافة أي شيء جدید الیها، إلا أن عمل ومجهود الباحث الکرباسي، یُمثـل ظاهرة غیر عادیة، ویضیف زخما کبیراً الى معالجة هذه المشکلة.

Russia روسیا - موسکو

البروفیسور قسطنطین ماتفییف