دعم الموسوعة:
Menu
Abdelmalik Eagle

العمل الثقافي المفید والرائع

 

استعرض الباحث عبد الملك بدر الدین، الجزء الأول من تاریخ المراقد من دائرة المعارف الحسینیة، وقد قمنا بترجمة النص الانکلیزي الى العربي.

 

لا یمکن إنکار المودّة التي حظي بها الإمام الحسین طوال القرون من قِبل المسلمین، بغضّ النظر عن المدرسة الفکریة التي یعودون الیها. فقد أقرّ المسلمون الشیعة والسنّة معاً بکونه السّبط المحبوب للنبي الأکرم محمّد (صلى الله وسلم علیه وعلى ذریته الطیبة) وبأنه ابن فاطمة وعليّ، والذي وصفه النبي بأنه سیّد شهداء أهل الجنة، وأخبر بموته المأساوي.

وفي معظم المجتمعات الإسلامیة یوقَّر الحسین کواحدٍ من أصحاب الکساء الخمسة الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیرا.

ومن ناحیة ثانیة، فإن للإمام الحسین أهمیةً خاصة عند المسلمین الشیعة (أتباع أئمة أهل البیت النبوي) فهو بالنسبة لهم إمام معصوم أُختیر من قبل الله کخلیفة لإمامة عـليّ بن أبي طالب، وإمامة الحسن.

ونزاعه مع حاکم ذلك الحین، الخلیفة الأموي یزید بن معاویة، والذي أفضى الى موته في کربلاء، لا یُنظر الیه کمجرد قـتال بـین فئتین مسلمتین. بل انه بـین فئة کان الحق الى جانبها وأخرى کانت ظالمة.

لقد کان نزاعاً بـین الإسلام والکفر. وهو بعید عن أن یکون صراعاً حتى بـین السلالات المسلمة المتـنافسة، إنما کان صراعاً بـین الإسلام نفسه وورثه الأرستـقراطیة المکیّة الوثـنیة القدیمة الذین شکلوا التهدید الرئیسي لرسالة النبي محمد (ص) المقدّسة، واعتـنقوا الإسلام فیما بعد کحیلةٍ تستبطن غایات سیاسیة، وأخیراً اکـتسبوا السلطة المطلقة على المسلمین، في شخص معاویة بن أبي سفیان (والد یزید).

إن موت الإمام الحسین وستة عشر فرداً من بني هاشم (أقارب النبي) وأکثر من خمسین من التابعین المخلصین في کربلاء، یُعتبر لدى الشیعة تضحیةً کانت ضروریة للحفاظ على الهویة الحقیقیة للإسلام کما أُعلن من قِبَل النبي الأکرم. إن مجزرة کربلاء بیّـنَتْ للمسلمین حجم الکارثة التي حلّت بزعامة الأمة المسلمة عقب خمسین عاماً فقط من وفاة النبي. وقد أظهرت شهادة الحسین بوضوح لذلك الجیل والأجیال اللاحقة أین هو مکمن الإسلام الحقیقي، أي عند الأئمة من أهل بـیت النبوة وأولئك الذین نشروا تعالیمهم وسلکوا نهجهم مخلصین.

لقد کانت زیارة قبر الإمام الحسین تـقلیداً عند أئمة أهل البـیت. وکان أول من فعل ذلك الإمام علي بن الحسین زین العابدین الذي کان یشدّ الرّحال من المدینة الى کربلاء لزیارة قبر والده. وذات مرّة ذُهِـلَ بعض الشیعة لرؤیة الإمام في مسجد الکوفة فهتـفوا: " ما الذي جاء بك الى أرض ذُبح فیها أبوك ؟ " فَـرَدَّ الإمام بالقول: " لقد زرت والدي وصلّیتُ في هذا المسجد ".

وقد حثّ الأئمة أتباعهم على زیارة قبر سلفهم المحبوب، النبي الأکرم محمد (ص) وقبور أهل البـیت. وقد أکد الإمام علي بن موسى الرضا أنّ: " لکل إمام عهداً على محبّـیه وشیعته، وزیارة قبره أفضل عمل للوفاء بهذا العهد. ومن یزوره مخلصاُ، مُقِـرّاُ بما فعل وقال، سیُشفع له یوم القیامة ".

وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق: " من أحبّ أن یجلس على مائدة من نور یوم النشور فلیکن من زوار الحسین ". وقال أیضاً لتلمیذه عليّ بن میمون: " زُرْ الحسین ولا تـترك زیارته " فسأل علي: " وما ثواب زیارته ؟ " فأجاب الإمام الصادق: " من زاره راجلاً أعطاه الله بکل خطوة حسنة ومحا عنه سیئة ورفعه درجة فی الجنة ". لذلك فلیس عجـیـباً أن یندفع المسلمون عامةً وأتباع أئمة أهل البـیت خاصة لزیارة کربلاء، ویغدقوا على ضریحه وأضرحة وقبور شهداء کربلاء الآخرین عنایة خاصة.

ولا ریب في أن تـقلید زیارة هذه القبور (المعروفة عموماً بالمراقد ومفردها مرقد) منذ البدء وحتى الوقت الحاضر قد أعان على إبقاء رسالة شهادة الحسین حیّة بین أتباع أهل البیت ومحبّیهم فی کل أنحاء العالم.

و " المراقد " هي موضوع دراسة خاصة مؤلفة من أربعة أجزاء (تحت عنوان المراقد، تاریخها وتطورها) للشیخ محمد صادق محمد الکرباسي، وهي تـشکّل جزءً من موسوعته الضخمة حول الامام الحسین، أي دائرة المعارف الحسینیة، التي تـشتمل على تاریخ مراقد الحسین وأهل بیته وأنصاره، وهذه الدراسة لن تـشمل فقط أضرحة ومراقد شهداء کربلاء مع ترکیز خاص طبعاً على ضریح الإمام الحسین، بل وأیضا مراقد أولئك الذین شهدوا المجزرة وأولئك المرتبطین بالأحداث التي قادت الى کربـلاء وما حدث فیها. وهکذا، على سبـیل المثـال، تضمّن الجزء الأول (الذي کتبت له هذه المقدمة الانکلیزیة) دراسة حول مرقد إبراهیم الأشتـر النخعي (ابن مالك الأشتر، النصیر المخلص والتابع الأمین لعليّ بن أبي طالب والذي دُسّ له السّمُّ بأمرٍ من معاویة) الذي بایع المختار الثـقـفي عندما قاد ثورةً في الکوفة عام 66 هـ =(685-686 م) ثأراً لمقـتل الحسین. وتضمّن کذلك فصلاً عن مرقدي ابني مسلم بن عقیل الصغیرین في المسیّب، واللذین قُـتلا فی العام 62 هـ = (681-682 م). أما مرقد مسلم بن عقیل نفسه فسیُستعرض في الکتاب التالي. وبالنسبة للسیدة زینب والنساء الأخریات من أهل البـیت، ممّن لعبن دوراً حاسماً في أحداث کربلاء، حیث – وبعیداُ عن عوامل أخرى – عملن على توثیق المجزرة على مرّ الزمن، فسیتمّ أیضاً بالطبع التطرّق الى مراقدهن في الأجزاء اللاحقة من هذا الکتاب.

بالاضافة الى ذلك، ستـتضمّن الدراسة الأماکن المتعلـقة بالحسـین وأهله وأنصاره المخلصین، والتي أمضوا فیها شطراً من الوقت، وتسمى تلك الأماکن بالمقامات (مفردها مقام). هذا على الرغم من أن المرقد یُدعى أحیاناً على نحو المجاز بالمقام. وسیشتمل الجزء الأول على دراسة مفصّـلة حول بـیت فاطمة حیث وُلدَ الحسین، والذي یقع على مقربة من المرقد الشریف للنبي الأکرم محمد (صلى الله علیه وآله وسلّم) في المدینة المنوّرة.

وستـتضمن الأجزاء الأربعة تاریخاً کاملاً وشاملاً لکل مرقد ومقام منذ تأسیسه الى الوقت الحاضر، واصفاً کیف صار حالها في أیدي الخلفاء والسلاطین وغیرهم من الحکام المسلمین، إما للأفضل أو للأسوأ على مرّ القرون.

فضلاً عن ذلك فالأجزاء الأربعة من الکتاب ملیئة بالمعلومات والتـفاصیل الفنیة والثـقافیة والهندسیة المتعلقة بالمدارس والنّزُل ودور الأیتام والأوقاف وما الى ذلك مما یتعلق أو یرتبط بشکل جوهري بضریح معین، مع تنویهٍ – حیثما تطلّب ذلك – بمن یتحمّل مسؤولیة الإشراف علیه والعنایة به. کما تُـناقـش وتحلّل موثوقیة مرقد أو مقامٍ معیّن، أینما شابتها شائبة أو شكّ. وهذه هي بشکل خاص قضیة رأس الإمام الحسین الشریف (التي ستـُناقـش في جزء لاحق) حیث تـتباین الآراء حول ما إذا کان مدفوناً في کربـلاء (وهو الرأي السائد بـین العلماء) أو في القاهرة، أو دمشق، أو عسقلان، أو حتى في المدینة، وتُـقدّم البراهین الداعمة لکل ادّعاء بوضوح ودقّـة.

وینـتهي الجزء الحالي بمدخلٍ لدراسة مضنیة لضریح الإمـام الحسین، والتي ستکون بالفعل المحور الأساس للأجزاء الأربعة، وتغطي القرون الثلاثة الأولى من تاریخ الضریح، والتي ستـقودنا الى العقد الأول من القرن الحادي عشر المیلادي تقریباً. وتستهلك هذه الفترة وحدها حوالي خُمس المجلد الإجمالي، وسوف تغطّي السنوات الألف المتبقیة في الأجزاء اللاحقة إن شاء الله.

إن هذه الأبحاث التي تحتوي على وفرةٍ من المعلومات، وتـفاصیل أخّاذة، ستکون خصوصاً نافعة للمؤرخ والباحث.

فـفي الفصل الذي یغطّي القرن الثـالث الهجري (الذي یُستهل في سنة 816 المیلادیة) – مثلاً – یصف المؤلف أحد أکثر الـفصول مأساویة في عموم تاریخ کربلاء، عندما دُمّـر ضریح الحسین لیس أقـلّ من أربع مرات على ید الخلیفة العباسي المتوکّل (في غضون الـفترة من 232-247 هـ = 846-861 م) الذي کان مصمّماً على محو أي تذکارٍ للإمام الحسین الى حدّ تهدیده أي شخص یزور قبره بالموت.

ولم یکن القرن الثـالث مظلماً برمّـته، ذلك لأنه بعد سنة من مقـتـل المتوکل (في247 هـ =861-862 م) أمر ابنه المنتصر بإعادة بناء ضریح الحسین. لقد انتصر المنتصر (قـتل والده) وأعاد الى الناس شعورهم بالأمان، وعندها أعید بناء ما خُرّب ودُمِّر، ورجع السکان وجُدّدت الأبنیة وشُیّد المقام والضریح مرة أخرى.

ومع ان سقف الضریح انهار عام 273 هـ = 886-887 م، إلا أن الضریح أعید إعماره وزُیّـن بعد عدّة سنوات من قِبل حاکم طبرستان والدیلم، الداعي الصغیر محمد بن زید، من ذریّة الإمام الحسن، الذي بعث لاحقاً بإثـنین وثلاثین ألف دینار کهبةٍ سنویة الى ذراري النبيّ في العراق.

وقبل المباشرة في دراسة تـفصیلیة لکل مرقد أو مقام، یلقي المؤلف في الجزء الأول وفي فصول مستـقلة قیّمة، نظرةً عامة على دَور هذه المراقد، من زاویة سیاسیة وثـقافیة ودینیة واقـتصادیة وحتى سیاحیة. ویقوم ثلث الجزء الأول من الکتاب على مراجعة فنیة وهندسیة للمراقد، وهو غنیّ بالرسوم والصور الإیضاحیة.

إن الجزء الأول من المراقد یتمیـّز بشمولیته مع الإنتباه الى التـفاصیل الدقیقة، هذا بالإضافة الى أن الهوامش المفیدة الواردة في عموم الکتاب تُعتبر شاهداُ على الاستخدام الدقیق للمصادر من قبل الشیخ الکرباسي، الذي یُهنّـأ على إنتاج مثل هذا العمل الثـقافي المفید والرائع، والمُنتظَرُ بشغف أن تصدر الأجزاء المتبقیة.

  

England المملکة المتحدة - دُرْهام

عبد الملك بدر الدین