دعم الموسوعة:
Menu
Dr. Agneau Belanyek

دموع على المأساة

 

استعرض الدكتور أحمد أنييو بیلانیِك دیوان القرن الثامن من "دائرة المعارف الحسینیة" باللغة الاسبرونتویة، و جاءت ترجمته العربیة کالتالي:

  

قضیة الإمام الحسین حدث مشهود في تاریخ الإسلام. فالحسین هو سبط محمد نبي الإسلام و هو الدین الذي ولد في جزیرة العرب في القرن السابع حیث نشأت الدعوة له في مدینة مکة التي کانت في وقتها مرکزا ثقافیا وتجاریا للقبائل العربیة، و لا تزال مکة مدینة مقدسة للمسلمین. و على أن المسیحیة و الیهودیة کانتا معروفتین في الجزیرة العربیة إلا أن أغلبیة السکان کانت تمارس الوثنیة، و کانوا یعبدون آلهة مختلفة، کانت قبیلة بني أمیة من بین القبائل ذات النفوذ في مکة وکانت على رأس المعارضین للدین الجدید. وبعد الانتصار النهائي للإسلام أصدر النبي محمد عفواً عن معارضیه، و على رأسهم بنو أمیة الذین یظهر أنهم اعتنقوا الإسلام کُرها لا طوعا وکان رئیسهم أبو سفیان، و سُمّوا بالطلقاء.

و في أثناء نمو الدین الجدید وانتشاره تمکن أفراد قبیلة بني أمیة من التغلغل في صفوف المسلمین ثم استلام السلطة العلیا بعد عدة عقود من ظهور الإسلام. و یبدو أن عادة الثأر التي کانت متأصلة عند العرب و منعها الإسلام کانت لا تزال متمرکزة في نفوس أفراد تلك القبیلة، فظهرت بأشد حالاتها عند یزید الذي استلم السلطة من أبیه معاویة بن جده أبي سفیان.

واصل یزید هذا اضطهاد عائلة النبي بکثیر من الإیذاء لفرض البیعة له على الإمام الحسین، نهض عندئذ الإمام للدفاع عن "أهل البیت"، فتصدى جیش یزید له و لعائلته في واقعة الطف في کربلاء، فقتله و أغلب أفراد عائلته الذکور و سبى سائر عیاله، فأثار بذلك موجة من الغضب و الحزن لدى المسلمین، ولا یزال صدى تلك الفاجعة المؤلمة یتراجع بینهم منذ ذلك الحین، ولا یزال اسم الحسین لتلك القرون الأربعة عشر رمزاً عند المسلمین لمقاومة الظلم و التعسف السیاسي و الاجتماعي والطغیان.

کانت ولا زالت مأساة الحسین وقضیته التي احتلت مجالا واسعا في تأثیراتها في الساحات السیاسیة والاجتماعیة والأدبیة في العالم الإسلامي خلال القرون مصدر وحتى ولّدت أمواجا متلاحقة من الأدب الرفیع الذي ذرف الدموع على تلك المأساة و هي تشیر في نفس الوقت إلى قضیته للإنسانیة عامة و للمسلمین خاصة - تلك القضیة و ذلك التراث الأدبي ولیدها مستفیض الجوانب اللذان احتوت بعضه موسوعة الشیخ الکرباسي ذات الخمسمائة جزء موضوعة البحث.

استمر النفوذ السیاسي المعادي لقضیة الحسین بانتقال السلطة من الأمویین إلى العباسیین لقرون عدیدة قاسى فیها أنصار تلك القضیة الأمرّین من مختلف تلك السلطات المتعاقبة. وباستمرار المطاردة والاضطهاد استمر معه خلال القرون فیض الأدب العالي المؤآزر لتلك القضیة. و یَظهر التنوع الواسع في مواضیع هذه الموسوعة الحسینیة بشکل بارز في کونها قصة مأساة لواحد من رجال التاریخ البارزین، لکون بطل " القصة " هو أحد أوائل أئمة المسلمین الذین حملوا مشعل الرسالة. فاستشهاد الإمام الحسین في أول عهود الإسلام (السابع المیلادی) تلته مباشرة انتفاضة المسلمین على ذلك العهد الأموي المناهض لأهل البیت (بیت النبي) و لا تزال الانتفاضة مستمرة بشکل أو بآخر ضد التعسف السیاسي خاصة ضد المسلمین الشیعة - ذلك الحدث الذي قدح قرائحهم و کان مصدر إیحاء، و لا یزال یوحي بإبداعات أدبیة مأساویة عالیة یضیف لها کل جیل من الشعراء و أرباب القلم من مختلف أوطانهم و بمختلف لغاتهم مشاعرَ الحزن و الرثاء و الولاء.

في هذا المؤلَف الکبیر قام الشیخ الکرباسي باستعراض تاریخ القضیة الحسینیة استعراضا واسعا بمجمل تفاصیلها المتفرعة عنها بأسلوب أکادیمي اجتمع لدیه به حوالي 500 جزء لها في جمیع فروع الأدب الحسینی. وبین لدینا منها بهذه المناسبة " دیوان القرن الثامن الهجري " ( حوالي القرن 14 المیلادي )، و هو واحد من دواوین القرون الأخرى. و یتألف من 45 قصیدة لثلاثة عشر شاعرا ینتمون لتک الفترة، تزید أبیات بعض القصائد على المائة بیت من الشعر، ووصلت قصیدة منها 150 بیتا.

یتکون الکتاب بملحقاته من 511 صفحة من القطع المتوسط بتجلید جید، تدور مواضیع هذا الدیوان حول القضیة الحسینیة من مدیح للإمام الحسین إلى ملامح خصومه الذین افتعلوا قتله، ثم الدعوة لقضیة الحسین بالتذکیر بمباديء الإسلام کما أتى بها جده النبي محمد (ص) – تلك المباديء التي أخذ الحسین تجدید الدعوة إلیها على عاتقه بعد أن ابتعد عنها الحکم الأموي إلى السلطة الدنیویة البحتة. و بتصفح الدیوان مع زمیلنا حسین الطیبي اقتطف هذه الأبیات للخلیعي على لسان الحسین یدعو خصومه للسلام و هو محاط بأدوات الحرب:

لم انسهُ ینشد الطغاةَ و قد*** حفت به السمهریةُ الذبلُ

ألا ارجعوا عن قتالنا و ذروا ***    سفكَ الدماء و اعتزلوا

أ بذا أُمرتُم أن تقطعوا رحِمَ آل*** مختار من بعدِه و لا تصلوا ؟

و من جملة قصیدة للشفهیني حیث یقول فیها مخاطبا بني أمیة:

أ فهل یدٌ سلبت إمائَكِ مثلما***  سلبت کریماتِ الحسین یداكِ ؟

أم هل برزن بفتحِ مکةَ حسراً  *** کنسائِه یومَ الطفوف نساكِ ؟

یا أمةً باءت بقتلِ هداتِها***    أفمن إلى قتلِ الهداة هداكِ ؟

و من أبیات للحلي یصف إباء الإمام الحسین و صموده على مبدأه:

أبى الذلَ لما حاولوا منهُ بیعةً*** وإن حسیناً بالإباء جدیرُ

و راح إلى البیت الحرام یؤمُهُ *** بعزمٍ شدیدٍ لیس فیه قصورُ

فجاءته کتبُ الغادرین بعهدِهِ    ***   فأقدم إلینا فالنصیر کثیرُ

و الدیوان بجملته دموع على المأساة و إدانة للطغاة و دعوة للوقوف بوجه العدوان في کل زمان و مکان.

  

المملکة المتحدة - کنتربري

2000/8/12م

UK أحمد أنييو بيلانيِك