مضامین من المعرفة و المتعة الأدبیة

استعرض الأستاذ فیتو أسبیته دیوان القرن العاشر من "دائرة المعارف الحسینیة" باللغة الاسبرونتویة، وجاءت ترجمته العربیة کالتالي:

ما دمنا نتحدث عن دیوان شعر فقد نتساءل ما هو الشعر؟ یتبادر إلى الذهن أکثر من تعریف واحد للشعر، بل تعاریف له بلا حدود. و لا نظن أن اثنین من الشعراء أو من غیرهم اتفقا على تعریف واحد له، و هذه التعاریف تتوقف على تجارب الأشخاص و میولهم و أذواقهم الشخصیة، فقد عرّف بعضهم الشعر بأنه موسیقى الکلمة التی تخضع لأوزان معلومة. و هذه تعاریف مختلفة أخرى:

 * الشعر هو فن إبلاغ المشاعر بواسطة موسیقى الکلام.

 * الشعر فن التعبیر بکلمات ملَحنَة عن الأفکار التی تخلقها المشاعر و یتصورها الخیال.

 * الشعر أحد الفنون السامیة التي تعبر عن الخیال بجمل إیقاعیة غالبا ما تکون ذات صیغ موزونة.

 * الشعر فن عرض الصور الإنسانیة بشکل اقرب للحقیقة من التاریخ. ( أفلاطون).

 * الشعر هو الأفکار الموسیقیة الصادرة من الذهن الذي یدخل في صمیم أمرٍ ما فیُخرج ما بداخله من الألحان.

 * الشعر یحکي أکثر مما یحکي النثر من الأفکار و المشاعر.

کلمة أخرى لا بد منها عن الإسلام، و هو الدین الذي ولد في جزیرة العرب في القرن السابع حیث نشأتْ الدعوة له من قبل النبي محمد (ص) في مدینة مکة التي کانت في وقتها مرکزا ثقافیا و تجاریا للقبائل العربیة، و کانت أغلبیة السکان تمارس الوثنیة. کانت قبیلة بني أمیة من بین القبائل ذات النفوذ في مکة، و کانت على رأس المعارضین للدین الجدید. و بعد انتصار الإسلام أصدر النبي محمد عفوا عن معارضیه، و من بینهم بنو أمیة الذین یظهر أنهم اعتنقوا الإسلام کُرها لا طوعا، و کان رئیسُهم یدعى أبو سفیان. تمکن أفراد قبیلة بني أمیة من التغلغل و استلام السلطة العلیا (الخلافة) في صدر الإسلام. یبدو أن عادة الثأر کانت لا تزال متأصلة عند بني أمیة فظهرت بأشد صورتها عند یزید حفید أبي سفیان. تآمر هذا على الإمام الحسین فنهض عندئذ الإمام للدفاع عن "أهل البیت" من بني هاشم و هو سبط محمد نبي الإسلام و هم عائلة النبي محمد فتصدى جیش یزید له في واقعة الطف في موقع کربلاء (وسط العراق) حیث استشهد الإمام و اغلب أفراد عائلته الذکور و سُبي سائر عیاله فأثارت تلك المأساة الغضب العارم والحزن العمیق لدى المسلمین، ولا یزال صدى استشهاد الإمام الحسین یتردد خلال القرون الأربعة عشر رمزا عند المسلمین لمقاومة الظلم و الطغیان.

دامت سلطة بني أمیة قرنا من الزمن کانت قضیة الحسین السبب الرئیس في سقوطهم. ثم تلاهم بنو العباس وهم هاشمیون و لکنهم أیضا خصوم حسد لأهل البیت فواصلوا اضطهادهم للعلویین من أهل البیت و مناهضتهم لقضیة الحسین لمدى حکمهم الذي دام خمسة قرون. و هنا نستطیع أن نتصور الظروف التي عاش فیها موالو أهل البیت، و الأدب الموالي لقضیة الحسین تحت تلك الظروف المعادیة التي دامت خلال عهود طویلة من الحکم الغاشم فی تاریخ الإسلام.

کانت ولا زالت قضیة الحسین بتأثیراتها التاریخیة الواسعة في الساحات السیاسیة و الاجتماعیة و الأدبیة في العالم الإسلامي خلال القرون منبع إیحاء لإشعاعات متوالیة من الأدب الرفیع الذي ندب تلك المأساة و بکاها، وهي في عین الوقت قضیة إنسانیة عامة وإن کانت بالأخص إسلامیة بتراثها الأدبي وهو ولید تلك القضیة بجوانبها المستفیضة التي احتوت بعضها موسوعة الشیخ الکرباسي المخصص لها خمسمائة جزء موضوعة تلك القضیة، وهي أیضا قصة مأساة لواحد من أوائل أئمة المسلمین الذین حملوا مشعل الرسالة الإسلامیة ضد التعسف السیاسي، خاصة من بعد ذلك ضد المسلمین الشیعة الموالین لأهل البیت، و کانت تلك القضیة مصدر إیحاء ولا تزال توحي بالمزید من الأدب المأساوي یضیف له جیل بعد جیل من الشعراء و الأدباء من مختلف الأوطان وبمختلف اللغات مشاعرَ الحزن و الرثاء و الولاء.

في هذا المؤلَف الکبیر قام الشیخ الکرباسي باستعراض تاریخ القضیة الحسینیة بمجمل تفاصیلها المتفرعة عنها بأسلوب أکادیمي اجتمع لدیه مواد لها تسد حوالي 500 جزء في جمیع فروع الأدب الحسیني. و بین أیدینا منها بهذه المناسبة " دیوان القرن العاشر " الهجري (حوالي القرن 16 المیلادي)، وهو واحد من دواوین القرون الأخرى. ویتألف من 67 قصیدة لشعراء ینتمون لتك الفترة، یضاف لها 15 قصیدة کانت قد أُغفلت في الدواوین السابقة. و یتکون الکتاب بملحقاته من 267 صفحة من القطع المتوسط.

توسع الشیخ الکرباسي و استفاض في وصف أحوال العالم الإسلامي في تلك الحقبة التي کانت تخضع لحکم العثمانیین وکانوا یحکمون باسم الإسلام. فکان المسلمون یجنَدون للحروب في مناطق الغرب في حین کانت الشعوب الإسلامیة ترزح في أوطانها تحت حکمهم المتعسف مما أدى من بین أشیاء أخرى إلى خمول الحرکة الأدبیة في العالم العربي و الإسلامي. و على أن ذلك العصر کان کما ذُکر یسوده اضطهاد المسلمین ثم الخمول الأدبي فقد تهیأ للشیخ الکرباسي ان یجمع مواد ذلك الدیوان التي تدور مواضیعه طبعا حول القضیة الحسینیة من مدیح للإمام الحسین إلى ملامة خصومه الذین افتعلوا قتله، ثم الدعوة لقضیة الحسین بالتذکیر بمباديء الإسلام کما أتى بها جده النبي محمد، تلك المباديء التي أخذ الحسین على عاتقه تجدید الدعوة لها بعد أن ابتعد عنها الحکم الأموي إلى السلطة الدنیویة البحتة. و بتصفح الدیوان مع زمیلنا حسین الطیبي اقتطف منه هذه الأبیات الدالة على موضوعه، منها للحائري:

بکت الأرض دماً مُذ صُرعوا   فوقَها حزناً و أطباقُ العُلى

کربلاء منكِ فؤادی مِلؤُهُ   من عظیمِ الوجدِ کربٌ و بلا

کمْ شموسٍ منكِ غرُبَتْ و کمْ   من بدورٍ أفلتْ بعد الضُبا

و منها لابن جعفر:

إمامٌ لهُ السرُ العظیم و شأنُه الـ   قدیمُ و في أوصافِه نزلَ الذکرُ

لهُ الشرف العالي لهُ النور و البها   لهُ الرتبةُ العُلیا لهُ المجدُ و الفخرُ

إذا ما انتضى یومَ الکریهةِ عزمُه   فمن ذا تُرى زیدٌ و من ذا تُرى عمرُ

و منها لشاعر مجهول:

ألا یا رسولَ الله لو کنتَ فیهمُ   لشاهدتَهم في حالةٍ تُذهلَ الفکرا

فهم بینَ أطفالٍ یتامى و نُسوةٍ   أیامى و صَرعى کالندامى سُقوا خمرا

رؤوسهمُ فوقَ القنا و عیالُهمْ   بأیدي أعادیهمْ تسوقوهمُ قهرا

نستطیع أن نوصي بهذا الدیوان لقراء العربیة من المهتمین بقضیة الحسین و دورها في تاریخ الإسلام و من هواة الشعر و الأدب عامة لیجدوا فیه مضامینَ من المعرفة و المتعة الأدبیة.

 فیتو اسبیته

(أستاذ لغات)