دعم الموسوعة:
Menu

کنز الفکرة الإسلامیة

 

استعرض الدکتور محمود شمس الدین الجزء الأول من الصحیفة الحسینیة من " دائرة المعارف الحسینیة " باللغة الصینیة، و هذه ترجمتها العربیة:

  

یسرني أکتب مقدمة صینیة لـ "الصحیفة الحسینیة" من "دائرة المعارف الحسینیة" تلبیة لطلب المرکز الحسیني للدراسات و لجنة تألیف "دائرة المعارف الحسینیة " (أذکرها بـ "الدائرة " للاختصار)، فیما یلي:

أکتب لها مقدمة باللغة الصینیة لأنها من الأعمال الصالحة، و أعتـقد أن في ذلك مرضاه الله عَزَّ و جَلَّ و رسوله والإمام علي و السیدة فاطمة الزهراء و الإمام الحسین، و تخلیداً لذکراه.

وبعد إلقاء نظرة على "معالم دائرة المعارف الحسینیة" و التي تعرفت و لأول مرة، من خلالها على مثل هذه "الدائرة" فوجدتها أنها أکبر دوائر المعارف التي لم یسبق لها مثـیل في التاریخ، و هي مشروع ضخم و عمل عظیم، و قد تمّ تألیف 500 مجلداً منها، و سوف یـصل عدد مجلداتها إلى السبعمائة، حسب خطة المؤلف، و یبلغ عدد کلماتها 95 ملیون کلمة. و سوف تترجم بعض المجلدات إلى اللغات المتداولة في العالم.

ومن خلال حجم "الدائرة" نعرف سعة المحتویات ووفرتها و عمقها، حیث أنها تحتوي على کل العلوم الإسلامیة، والمجالات العلمیة کافة، مثـل علم القرآن، و علم الحدیث، و الفقه، و الفلسفة، و التاریخ، و الجغرافیا، و الأدب والفن، و فلسفة الأخلاق، و غیرها. کما تـتـناول بین طیاتها أدیان الأمم و القومیات في العالم و تاریخها وحضاراتها.. الخ، فیمکن أن نقول أن " الدائرة " هي کنز الفکرة الإسلامیة، و العلوم الإسلامیة، و الحضارة الإسلامیة، و أیضاً هي کنز الأفکار البشریة و الحضارات العالمیة، التي تتحلى بالقیمة العلمیة العالیة.

وفي عام 1992 م، و بعد نشر تعریف عام، و "المعالم" باللغات العربیة، و الفارسیة، و الأردیة، و الإنکلیزیة، والفرنسیة، و الألمانیة.

جذبت "الدائرة" انتباه و اهتمام الإعلام و الأوساط العلمیة في الشرق و الغرب، فکثرت التقریرات و التعلیقات في الصحف بالأوساط الفریدة، و أذکر هنا بعضها فیما یلي :

" الدائرة موسوعة علمیة کبرى" و "الدائرة أغلى من الذهب" و "أول موسوعة وضعت في التاریخ من حیث الکم و الکیف" و "موسوعة کالبحر الواسعة و کالفجر الرائعة" و "عمل لا نظیر له" و "العمل الثـقافي المفید والرائع" و "أنبل و أسمى الإنـجازات الإسلامیـة" و "الموسوعة تخدم المسلمین و غیر المسلمین" و "المشروع الفکري الضخم" و "عملاق الکتاب العربي" … الخ.

ومن الجدیر بالذکر أن المؤلف الشیخ محمّد صادق محمد الکرباسي (موالید عام 1946 م) عالم مسلم، عراقي شهیر، و علاّمة ضلیع ذو النیات الطیبة و ذو العزم و الطموح، و کان یعمل في مدة طویلة على القضیة السامیة في تطویر العلوم الإسلامیة، و توسیع حوار الحضارات العالمیة، و قد خطط في وقت مبکر، بل شرع في تألیف موسوعة لغویة شاملة، و خطط أیضا لوضع موسوعة تاریخیة، و رتّب مقدماتها مع بعض مساعدیه من تلامیذه في العراق، و لکن الظروف حالت دون تنفیذ خطته. و في أثناء الإقامة ببیروت، وضع خطة تألیف موسوعة في تـفسیر القرآن، و لم یکد یتم المجلد الأول حتى دارت رحى الحرب الأهلیة في لبنان، فتوقف العمل.

وفي شهر سبتمبر عام 1987م، بدأ الدکتور الکرباسي وضع برنامج تألیف " دائرة المعارف الحسینیة ". و قد قام بها شخصیاً، إلا أنه یستعین بالعلماء و الباحثین و الأدباء و الصحفیین من ذوي الخبرات في هذا المجال.

خصص المؤلف "الدائرة" بالحسین و بنى محتویاتها على هیکل خصوصیات الإمام الحسین المرتبطة به من قریب أو بعید، و الموضوعات عن الإمام الحسین باعتبارها قـاعدة و محور "الدائرة" علماً بأن الموضوعات عن الإمام الحسین کثیرة و متوفرة تحتوي على نَسَبَهُ، و سیرته، و شخصیته، و الحسین في القرآن، و الحسین في الحدیث، و دور الحسین في التشریع الإسلامی، و مسنده، و خطبه، و أقواله، و دیوانه، و الدواوین التی أنشأت فیه، في مختلف العصور، کما و تحدث عن فکرته العلمیة، و حرکته العلمیة، و أدعیته و مناجاته و الأدعیة على أعدائه التي وردت في مناسبات مختلفة، و فیها ما جاء من وحي ملحمة کربلاء و أثرها البعید الغور … الخ، ثم تمتد و تتوسع " الدائرة " إلى مجالات المعارف الأخرى، مثل الحوادث التاریخیة و السیاسة و سیر أصحاب الحسین ومؤیدیه، و سیر أعدائه، مثل الأسرة، کمعاویة و یزید و ابن زیاد و غیرهم … و ذلك لإحیاء ذکرى الإمام الحسین بأفضل وجه. و لکي لا ینسى العالم بأسره مواقفه البطولیة، و مساهماته العظیمة في النهضة الإسلامیة، و مقاومته استبداد الطغاة و الظالمین و المستبدین، و دوره في إصلاح المجتمع الإسلامي و تطویر المعارف الإسلامیة... الخ، و لأن الإمام الحسین حفید رسول الله (ص) الحبیب، و لحمه و دمه، إذ قال النبي (ص): " إن الحسین مصباح هدى و سفینة نجاة و إمام خیر و یمن و عز و فخر و بحر علم و ذخر "و کما قال النبي (ص)" "ورث الحسین جرأتي و جودي ".

إن " الصحیفة الحسینیة " تنقسم إلى جزأین، و قد تضمنت أدعیة الإمام الحسین و مناجاته، و أدعیته لأصحابه وموالیه، و الأدعیة على أعدائه، الطغاة و الظالمین و شرکائهم.

وضّح المؤلف في تمهید هذا المجلد حقیقة الدعاء و قال: إن الدعاء أفضل الأسالیب و الطرق للاتصال و التبادل بین العبد و ربـه، و قد احتوى الجزء الأول، نماذج من الأدعـیة في القرآن الکریم، و أدعیة رسول الله (ص)، و أدعیة الإمام علي، و السیدة فاطمة الزهراء، و بعض أدعیة الأئمة الآخرین … الخ. توحي إلینا أدعیة الإمام الحسین ومناجاته في المناسبات مدى تقواه لله تعالى و تقربه و تودده إلى ربه و منزلته الروحیة السامیة.

یسود تاریخ البشر الصراع بین العدل و الظلم و بین النور و الظلمة، و کذلك یعم تاریخ الإسلام النضال بین الإیمان والنفاق و بین العدل و الشر و بین الحق و الباطل و بین الصراط المستقیم و صراط الشیطان، علما بأن الظلم والباطل و الشر على اتصال وثیق بالجشع و الطغیان و الجنون، کما أن العدل و الحق دائماً یرتبطان ارتباطاً وثیقاً بالخیر و الرحمة و الحلم و البسالة و الاستشهاد.

نعتـقد أن الله تعالى یرید أن یختبر و یمیز من خلال مجزرة کربلاء هاتین الطائفتین. و قد ورد في مضمون قول النبي ( ص ): " أن جبرائیل أخبرني بأن الحسین سوف یستشهد على ضفة الفرات، کما ورد في مضمون کلام الإمام علي بأن الحسین سوف یستشهد بکربلاء. و کان الإمام علي و الإمام الحسین یقاتلان في سبیل الحق والعدالة وفي سبیل الله، مستعدین لتکریس حیاتهم من أجل ذلك في کل وقت عملا بمباديء الإسلام و وصیة النبي ( ص ) و لیس في قلوبهم مثقال ذرة من الحرص على السلطان و مصالح الدنیا. فقد کتب الإمام علي في کتابه إلى أهل مصر: " إني إلى لقاء الله لمشتاق و حسن ثوابه لمنتظر راج، و لکن آسى أن یلي أمر هذه الأمة سفهاؤها و فجّارها، فیتخذوا مال الله دولا و عباده خولا و الصالحین حربا و الفاسقین حزبا " ( نهج البلاغة – کتاب 62 ) و قال في خطبة له: " اللهم إنك تعلم أنه لم یکن الذي کان منا منافسة في سلطـان و لا التماس شيء من فضول الحطام، و لکن لنرد المعالم من دینك " ( نهج البلاغة – خطبة 131 ). و نعتقد أن الإمام علي یشیر بسفهاء الأمة و فجارها إلى الطغاة، أمثال معاویة و یزید و عبد الملك، و الذین یؤازرون هؤلاء الطغاة فی الظلم والطغیان، کبسر بن أرطاة، و المغیرة بن شعبة، و زیاد بن أبیه، و عبید الله بن زیاد، و الحجاج بن یوسف الثـقفي وأمثالهم. و کان هؤلاء الظالمین و أعوانهم یسیئون استعمال سلطتهم التي اغتصبوها بلا حق و یرتکبون الجرائم الفظیعة و یجمعون الأموال غیر الشرعیة لیشترون بها المنافقین و الفاسقین و أهل الدنیا، لقمع و قتل المؤمنین الصالحین بقسوة و وحشیة، من الذین تجرأوا على معارضة حکمهم القائم، حتى یقتلون حفید رسول الله – الإمام الحسین وآل النبي و یدّعون أنهم مسلمون و من أمة محمد (ص) و یرفعون رایة الإسلام و یقومون بالفتوحات لتوسیع سلطتهم و جمع الغنائم و نهب الثروات و صرف نظر الشعب المسلم من الداخل إلى الخارج، و صار الإسلام أداة حکمهم و کسباً لمصالحهم الدنیویة.

لقد ارتکب معاویة أربعة من جرائم تاریخیة :

1- اغتصب الخلافة بالاعتماد على المکر و القوة.

2- ادعى قرابـة الدم مع زیاد بن أبیه من منطلق حاجته السیاسیة، مخالفاً بذلك شریعة الإسلام، لیسهل علیه قمع و قتل المؤمنین الأتقیاء الذین لا یعترفون بخلافته.

3- قتل الصحابي الصالح حجر بن عدي و أصحابه المتقین في مرج عذراء شرقي دمشق، لأنهم جاهروا بأن الإمام علي (رض) الخلیفة الشرعي المختار من قبل معظم أصحاب النبي و جمهور المسلمین، و أن معاویة مغتصب للخلافة.

4- عیّن ابنه یزید ولیاً للعهد – وارث خلافته، مما حوّل نظام خلافة الدولة الإسلامیة الانتخابي الشـوروي الدیمقراطي إلى نظام وراثي ملکي لأول مرة. و فضلا عن ذلك کان یزید من الصبیة المبذرین، مغرما بالخمر والصید، الذي رفض الإمام الحسین مبایعته.

وقد ارتکب ابنه یزید ثلاثة من المآسی التاریخیة الکبرى خلال ثلاث سنوات من حکمة :

1- في السنة الأولى، أوعز إلى والیه ابن زیاد على الکوفة و البصرة، بصدّ رکب الإمام الحسین بجیش کبیر، الأمر الذي أحدث مذبحة کربلاء و قتل الإمام الحسین.

2- و في السنة الثانیة، أرسل جیشا جرارا بقیادة مسلم بن عقبة، لغزو المدینة، حیث سقط مئات من أصحاب النبي، من المهاجرین و الأنصار و کثیر من التابعین في موقعة الحرّة، بسبب أنهم رفضوا المبایعة لیزید، و أشد من ذلك أن مسلم أباح، و بأمر من یزید، مدینة الرسول ثلاثة أیام لجیشه، للقتل و النهب و الإحراق.

3- وفي السنة الثالثة أرسل جیشاً لغزو مکة المکرمة، و رمي الکعبة بالمنجنیق و هدمها.

لقد قطف زیاد بن أبیه، و ابنه عبید الله، و مسلم بن عقبة، و الحجاج بن یوسف الثـقفي، عدداً کبیراً من رؤوس المسلمین و حملوها إلى سیدهم طلباً لمرضاته، و قد قتل الحجاج لوحده في مسجد الکوفة أکثر من عشرة آلاف، حین اعتلى فجأة منبر مسجد الکوفة یوم الجمعة، و خطب و تبجح بلا حیاء قائلاً: " یا أهل الکوفـة إني لأرى رؤوساً قد أینعت و حان قطـافها و إني لصاحبها ".

وعلى الفور أخذ الجنود - الذین یخفون سیوفهم تحت ملابسهم - یقطفون رؤوس المسلمین الذین جاؤا إلى المسجـد لأداء صلاة الجمعة، و في لحظة سالت الدماء من داخل المسجد إلى الخارج، فأصبحت تجری کالنهر.

یا للعجب ! فقد أصبح أمثال هؤلاء الطغاة و الجزارون أمراء للمؤمنین، و یتولون أمور أمة محمد ( ص ) " و یعظون " الشعب المسلم من على منبر النبي ( ص ) و یتسلقون، بأیدیهم الملطخة بدماء المسلمین الأبریاء، درجات مناصب الولایة، و یتسابقون إلیها، ظناً في أنفسهم أنهم ذوي الکفاءة و القدرة و القوة و أصحاب العزة و الفخار. وفي الحقیقة أنهم لیسوا سوى مهرجون على مسرح الدنیا، و ما أفراحهم و أتراحهم إلا مهزلة من مهازل التاریخ قصیرة أمدها، تنتهي بخروج أرواحهم من أجسادهم، فتصبح جثثاً هامدة، و تتلاشى معها کل المناصب و الرتب، وعندها یتمیز الخیر عن الشر و الإیمان عن النفاق على صعید الحساب یوم القیامة، إذ یحکم الله بین الناس بالعدل، فیکون مصیر الفاسقین خلودهم في نار جهنم، أما في الدنیا فخلفوا علیهم اللعنة إلى الأبد و سجلوا لأنفسهم عارا لا یمحى، و یتبرأ الخلق منهم جمیعاً على فعالهم. فأین سلطتهم و أین أموالهم و أین ذریتهم ؟.

وأبلى الإمام الحسین و أصحابه الصالحون بلاء حسناً في واقعة کربلاء، فهانت الدنیا و زخارفها فی أعینهم، واختاروا حب الله و السعادة الخالدة في الآخرة، فسمت أرواحهم بتضحیاتهم السخیة، فرفع الله مرتبتهم و رضي الله عنهم و رسوله و الملائکة، و خلفوا وراءهم السمعة الطیبة، فأصبحوا قدوة حسنة لغیرهم، و یترحمون علیهم ویلعنون قاتلیهم، و بات المسلمون یتـفجعون و یذرفون الدموع علیهم، و کم مؤمن ینزف دمه لأخذ الثأر لهم، فتـشکلت الدموع و الدماء لتحولها إلى أغنیة و أشعار لا تحصى التي صارت هي الأخرى مرسوم دعوة الشعب إلى النهوض و حمل السلاح، أو تجمعت لتکون سیل عارم یجرف قاعدة صرح الدولة الأمویة حتى تم القضاء علیها نهائیاً.

إن قتلة الإمام الحسین الذین ارتکبوا مجزرة کربلاء هم یزید و ابن زیاد و عماله، و الحصین و شمر و عمر بن سعد، الذین قادوا جیوشا کبیرة لصد و محاصرة رکب الإمام الحسین، فقد قاد عمر لوحده 4000 جندي، و قاد الحصین أکثر من هذا العدد، فیما کان مع الحسین 92 من أهل بیت الإمام الحسین و أنصاره. و من الجدیر بالذکر أن عمر هذا هو ابن الصحابي الشهیر سعد بن أبي وقاص، الذي ولاه ابن زیاد منطقة " الري " و قدم له أربعة آلاف جندي، بشرط أن ینجح في قمع الثورة في المنطقة. و ما کاد یسیر إلى " الري " حتى وصل إلى ابن زیاد خبر سیر الحسین نحو العراق، فکلف عمر لیصد الحسین و إجباره على الاستسلام، و إذا ما رفض الانصیاع له ناجزه القتال، فإذا قتله، فیجعل الخیل تطأ صدره و ظهره، ثم یأتي برأسه إلیه. و لما أظهر التـثاقل، هدده ابن زیاد بعزله عن ولایة " الري " التي کان یطمح بها، و أمام ابتلاء الاختیار بین العدل و الظلم و بین الدین و الدنیا، رجّح الظلم والدنیا على العدل و الدین، و نفذ أمر سیده بالکامل، فقتل جنوده الحسین بضربات و طعنات، و جعلوا الخیل تطأ صدره وظهره، واحتزوا رأسه وأتي به إلى ابن زیاد، فبعثه إلى سیده یزید. و هکذا اشترى عمر تلك الولایة الضئیلة مقابل رأس حفید النبي (ص).

لقد حصلت أمثال هذه الحادثة الشنیعة في تاریخ إسلام الصین و خصوصاً على عهد أسرة تـشینغ الملکیة المنشوریة ( 1616 – 1911 م ) التي عرفت بـ " سجن قومیات الصین " لأن هذه الأسرة الرجعیة مارست تمییز واضطهاد قومیات الصین سوى القومیة المنشوریة، و لا سیما الأقلیات القومیة المسلمة، فحاربتهم لمعتقداتهم، ومنعتهم من إقامة شعائرهم الدینیة، فحدثت انتـفاضات من قبل مختلف القومیات على معظم أرجاء الصین، بینما انتفضت القومیات المسلمة في غرب الصین و جنوبها، و لکن اختلفت دوافعها و أهدافها مع زعماء الانتـفاضة، حیث کان فیهم ممن یعتبر تحریر الشعب من الاضطهاد و یرى أن شأن الوطن من مسؤولیاتهم، و منهم من کان یطمح لمجرد الوصول إلى السلطة و تاج الملك، فیما کان یرى بعض زعماء الانتـفاضات من المسلمین أن من واجبه حمایة الدین و حمایة بلده، و یعتبر ذلك أنه جهاد في سبیل الله، و منهم من یقوم بالثورة لکسب المناصب والسعي وراء الجاه و المال، لأن أسرة تـشینغ کانت تتبع السیاسة الرجعیة و هي " إحداث الشقاق و الفوضى بین صفوف الثائرین " و سیاسة " فرّق تسد " و " استغلال رجل من القوم لیحکم القوم "، بمعنى إغراء الطامعین في الولایة و المال من زعماء الثورة المسلمین و لملمة الخونة و المرتدین منهم، ثم تولیهم بعض المناصب في الجیش أو في الحکومة المحلیة و تجعلهم یقمعون و یقتلون إخوانهم الثائرین الذین کانوا یقاتلون معهم في خندق واحد. و هؤلاء اللئام من المسلمین الصینیین یصنفون في مصاف ابن زیاد و الحجاج و غیرهما، لأنهم قطفوا مثلهم رؤوس إخوانهم المسلمین الصینیین ثم ینقلوها على البغال لتسلیمها إلى حاضرة المقاطعة، بل أصبحوا یتنافسون في إیصال أکبر عدد من الرؤوس، لنیل المکافأة و الحصول على درجات أو مناصب عالیة، و عندما وجدوا أن الحمل بدى ثـقیلا نتیجة کثرة عدد الرؤوس، فأبدلوا تسلیم أذنین مقابل رأس الواحد، و هؤلاء حثالة من القوم، کانوا أئمة المساجد قبل الثورة، و حینما اقترب أجلهم حاولوا التوبة، و ذلك بأن أرسلوا بعض الأشخاص إلى الحج أو بالتصدق بأموالهم المشبوهة، فأنى لهم التوبة، بعد أن قطعوا رؤوس إخوانهم المسلمین، لکن اللعنة علیهم متواصلة من قبل المسلمین الصینیین، على أفعالهم الشنیعة التي ارتکبوها.

لقد لقي یزید و ابن زیاد و غیرهما من قتلة الإمام الحسین مصیرهم المخزي لأن منهم من مات بغتة و هو قصیر العمر، و منهم من لقي حتفه على ید الثائرین الآخذین بالثأر للإمام الحسین، فقطعوا رأسه و طیف به في الطرقات، و أحرقت جثته جزاءً بما فعلوه بالحسین و أهله و أنصاره، هذا هو بعض جزاءهم في دار الدنیا، و بقي الحساب الصارم و العقاب الشدید یوم القیامة.

لقد قال الخطیب الواعظ المشهور في القرن العاشر في خطبة المحرم: " أیها الناس إن هذا الشهر الذی حل بکم أسمى شهر شرفا و أعلى مرتبة و مجدا، و أعاره الله أهمیة لأنه تعالى خلق في هذا الشهر العرش و اللوح المحفوظ و القـلم، و أن الإمام الحسین بن علي بن أبي طالب، استشهد في هذا الشهر، و نال الشرف الأسمى والمنزلة الرفیعة، فکانت بکربلاء في الیوم العاشر من المحرم سنة 61 هـ ( 10/10/680م).

نتمنى للفقید أفضل الصلوات و التحیات، کما نسأل الله أن ینزل على قتلة الحسین کل المصیبات و کافة النکبات ". و قال الإمام جعفر الصادق: " أصیب الحسین بـ 63 طعنة و 34 ضربة ". و قد بکت علیه السماء و الأرض، و کأن السماء بکت علیه دما، و ساد الفضاء الظلام، و استمرت هذه الحالة ثلاثة أیام، و غارت النجوم منازلها تباعا، وأصاب الخلق خوف وفزع شدید حتى ظن الناس أن القیامة قد قامت، و کیف لا ! لأن الشهید هو ابن السیدة فاطمة الزهراء و حفید زعیم الخلق في الدنـیا و الآخرة. کان النبي ( ص ) یحب الحسین حبا جما، یقبل شفتیه دائما، و کان یرفعه و یضعه على کتفه … " ( کما ورد مضمونه في الأحادیث الشریفة).

وفي جاء في الحدیث ما مضمونه: "حینما یحشر البشر على صعید الحساب یوم القیامة ینادي مناد من وراء حجاب العرش: أیها البشر غضوا أبصارکم لأن بنت النبي الشریف محمد، فاطمة الزهراء، سمح لها أن تحنو عینیها و ترتدي ثوب ولدها الحسین، الملطخ بالدم و تتمسك بقائمة العرش بشدة و تبکي و تشکو قائلة: " یا ربي أنت جبار و عادل و أسألك أن تحکم بین ابني المقتول المظلوم و قاتلیه ! " فیحکم الله بینهم، ثم تسأل: " یا ربي أسألك أن تسمح لي أن أشفع للذین بکوا لمصیبتي !" فیأذن الله لها بالشفاعة.

حول مأساة کربـلاء و شهادة الإمام الحسین کثرت تعلیقات المؤرخین و الباحثین في الغرب و الشرق، و تحمل في طیاتها کلمات العطف و الحزن مع اللوم، فمثلا یقولون: " لا ینبغي أن یتجه الحسین إلى العراق " و " ینبغي أن یعرف الحسین البون الشاسع بین قوته و قوة أعدائه " و " لا ینبغي أن یصدم الإناء الفخاری بالحدید " و " لا ینبغي أن یضرب البیضة بالحجر " و " لا ینبغي أن یسیر إلى العراق مع أهله " و " ینبغي أن یقبل نصیحة ابن عباس ". و هناك بعض المؤرخین المسلمین نافذي البصیرة یرون أن هذه النظرات الآنفة الذکر إنما هي آراء البسطاء من الناس، و ما کانت لتغیب عن فکر الإمام الحسین، و یجب أن نعي أهمیة ما قام به الإمام الحسین وندرسه بعمق، ولا ینبغي أن نعرفه من خلال المنطق العام و العقل العادي، إذ نعتقد أن الإمام الحسین کان یعرف قوة وسلطان بني أمیة، و یعرف أنها غیر شرعیة، فیما غفل عن ذلك بعض المسلمین أو تغافلوا، کما أن عامة من الناس کانوا یعرفون الظلم والبطش الذي کانت تمارسه سلطات بني أمیة، إلا أنهم بایعوهم و شارکوهم في جرائمهم، خلافا لضمیرهم، و خوفاً من سیوفهم.

لقد قال الشاعر الفرزدق للإمام الحسین عند اللقاء في الطریق: "قلوب الناس معك و سیوفهم مع بني أمیة". وما ذلك إلا للسعي وراء الولایة و الجـاه و المال و التمتع بملذات الدنیا.

إن الإمام الحسین لا یبایع رجل مثل یزید أبدا، و یعرف أنه یرید أخذ البیعة منه، فغادر المدینة إلى مکة المکرمة، لأنها بلد آمن، و قد حرم الله فیها القتال، لکن الإمام الحسین کان یعرف جیدا أن بني أمیة لا یعیرون أهمیة لهذه القیم، فعقد العزم على الاختیار العقلي العمیق الغور الصادر عن عقل موهوب فوق المنطق العام و العقل العادي، وقد رأى أن السلطة الأمویة لا یزعزعها إلا حادث عظیم و تضحیة جسیمة، فقدم نفسه و أهله فداءً، کما فعل المسیح عیسى علیه السلام، و ذلك لإیقاض المسلمین الغافلین و إثارة أمة محمد على النهوض لتـقویض السلطة الأمویة الفاسدة المخالفة للمباديء و القیم الإسلامیة، و یدل جوابه لنصیحة ابن عباس الذي قال له: " لا تذهب إلى العراق، أقم بهذا البلد فانـك سید أهل الحجاز ". فأجابه الإمام الحسین: " یا ابن عم والله أعلم أنك ناصح مشفق و لکن لأن أقتـل بمکان کذا أحب إليّ من أن تستحل حرمة مکة بي ".

إن فکر الإمام الحسین و اختیاره کان صواباً. حیث نجد أن أهل المدینة رفضوا مبایعة یزید بعد تضحیة الحسین، فأرسل جیشا لغزو مدینة الرسول، فأحرقوها و نهبوها و قتلوا المئات من المهاجرین و الأنصار و سائر أهل المدینة، کما رفض ابن الزبیر مبایعة یزید، و جعل المسجد الحرام مظلة واقیة لنفسه، فأرسل یزید جیشا رمى مکة بالمنجنیق و هدم الکعبة، و في عهد عبد الملك، نافسه ابن الزبیر على الخلافة، فأرسل له الأول جیشا بقیادة الحجاج لغزو مکة، و جعل ابن الزبیر مرة أخرى الکعبة مظلة لحمایته، فما کان من الحجاج إلا أن رمى مکة بالمنجنیق مرة أخرى، و تعرضت الکعبة للهدم مرة ثانیة، و تمکنوا أخیرا من قتل ابن الزبیر داخل المسجد الحرام.

یرى المؤرخون أن بني أمیة و أعوانهم فاسقون وأیضا بلداء، لأنهم أحدثوا مذبحة کربلاء التي هزت العالم الإسلامي، حیث قتلوا حفید نبیهم، مما أثار الغضب الشدید من قبل مسلمي العالم، و في الوقت نفسه قدموا للمسلمین في العالم یوما تذکاریا خالدا " یوم عاشوراء ". و منذ أکثر من ألف سنة یحیي المسلمون في العالم ذکرى یوم استـشهاد الإمام الحسین و یلعنون قاتلیه، و بذلك هیأ بنو أمیة لأنفسهم شروط الهلاك و حفروا لأجسادهم القبور، کما أجمع المؤرخون على أن الحسین جرف و هدم بدمه الطاهر صرح الدولة الأمویة الفاسدة.

 

1423/3/3 هـ= (2002/5/15 م)

china محمود شمس الدین تشانغ تشي هوا

بکین - الصین