دعم الموسوعة:
Menu
البروفيسور عبد الأحد جاويد

 

دائرة المعارف الحسینیة

 

استعرض البروفیسور الدکتور عبد الأحمد جاوید عن الجزء الثالث من " الحسین و التشریع الاسلامي" باللغة البشتویة الأفغانیة، و هذه ترجمتها العربیة:

  

مؤلف دائرة المعارف الحسینیة، عالم کبیر و معروف ألا و هو آیة الله محمّد صادق الکرباسي.

لقد وضع هذا العمل التاریخي الفرید من نوعه في 556 مجلداً، و الذي یمکن أن یوصف بأنه عمل لا نظیر له.

في تاریخ الشیعة وضعت ألوف المصنفات، من أهمها کتاب الفهرست للشیخ الطوسي، و السِّـفْر العظیم، أعیان الشیعة، المؤَّلف من قبل آیة الله محسن الأمین، و الذي لم یؤَّلف بحجمه.

یظهر من عنوان دائرة المعارف الحسینیة، أنها تحتوي على سیرة سیّد الشهداء و الآثار التی خلّفتها، و لکن البحث لم یتوقف عند سیرة الإمام الحسین و إرشاداته و آثارها الاجتماعیة، بل استعرض فیها الجانب الثـقافي وسائر الجوانب الأخرى و التي لم تکن بُحثت من قبل. فهو یبحث فیه عن الشعراء و المؤلفین ممن تحدثوا ونظموا في الإمام الشهید بشکل کامل و موضوعي.

هذا المجلد الماثل للطباعة، و الذي تزید عدد صفحاته على الأربعمائة صفحة، یتطرق المؤلف فیه إلى أعلام أفغانستان بالمناسبة، إلى جانب شخصیّات أخرى ذات علاقة بالموضوع.

إن ممیزات هذا العلّامة الکبیر کما یلاحظ من خلال عمله في دائرة المعارف هذه، أنه أورد کل من له شعر أو بحث في هذا المجال. کما حقّق في التاریخ الماضي، و الذي یُعد بحدّ ذاته عمل فنّي جبار. فعلى سبیل المثال، استعرض بعض الأمثلة عن تلك الآثار الواردة فیها و التي هي لیست إلا حقائق واقعة، کتاریخ إنشاء المدارس العلمیة في أفغانستان، و التي کانت تستخدم کمراکز لإقامة العزاء على الإمام الحسین (ع)، بالإضافة إلى دورها التعلیمی للمسائل الدینیة و العلوم الحدیثة، و من تلك، مدرسة کوهر شاد أغا، و مدرسة حسین بایقرا. وفي کابـل مدرسة محمدي، و في بهسود مدرسة کُجاب، التي أسسها السید سَرْوَرْ الواعظ، و المدرسة المهدیة التي أنشأها السید محمد أمین الأفشاري. و یذکر المؤلف أن هناك مدارس حسینیة قدیمة أخرى کانت في أفغانستان، منها مدرستان في کُرجستان، خمسة في کابل، أربعة مدارس أخرى في ضواحیها، و واحدة في غور، و ثلاثة عشر مدرسة في بنجاب، و خمسة في أولنك، و خمسة في ورس، و ستة في داري کنبدي، و ثلاثة عشر في بهسود و راه میدان، و ثلاثة في بامیان، و خمسة في غزنة، و أربعة في شهرستان. و مما یلاحظ أن جدّ صاحب الموسوعة، ذلك العالم الکبیر محمد حسن الکرباسي (المتوفى عام 1190 هـ) و الذي قطن هرات لفترة، قام بتأسیس مدرسة هناك عُرفت بمدرسة حوض کرباس، و لازالت هناك عائلة تنتمی إلى الکرباسي تقطن في هرات، و عرفوا بأنهم أصحاب علم و ثراء، و الذي یعد آیة الله محمد صادق الکرباسي من هذه العائلة التي تـفتخر أفغانستان بها.

و یذکر المؤلف في هذا الجزء من کتابه(1) لدى بحثه عن المدارس في خراسان أن الکلمة – خراسان – مرکبة من "مطلع + الشمس" و أن خراسان کانت ولایة کبیرة، یحدّها من الغرب العراق و من الشـرق الهند و من الشمال بلاد ما وراء النهر و من الجنوب الخلیج، و کانت قاعدتها في تلک الفترة " مرو "، و کانت ملتقى حضارات متعددة الاتجاهات : الیهودیة، المسیحیة، الزرادشتیة، الصابئة، البوذیة، المانویة، الوثنیة الیونانیة، الثنویة الزرادشتیة، والمزدکیة، و مذاهب أخرى. و کان لظهور الإسلام في القرن الأول الهجري دور ممیز في تنشیط النهضة العلمیة والفکریة في تلك البلاد، عبر الخلفاء. و قد تخرّج من مدرسة خراسان أعداداً کبیرة من العلماء، في مختلف العلوم، کالحدیث، الفقه، التفسیر، الفلسفة، العرفان، و الأدب.

لم ینبر أحد لحد الآن إلى وضع دراسة علمیة و إجراء تحقیق شامل بما یرتبط بالإمام الحسین، سوى العلامة الکبیر هذا، و الذي یعد عمله أساساً محکماً في بیان الصورة الناصعة، ورداً علمیاً على کثیر من الأسئلة التي ظلت طوال التاریخ مبهمة.

 کتب هذا العالم الذائع الصیت (المؤلف) قائلاً : أن لأفغانستان تاریخ عریق، إذ لعبت مدارسها المنتشرة في قندهار و مزار شریف و بلخ و هرات و بامیان، دوراً بارزاً، حیث قطنها أتباع أهل البیت منذ القرن الأول الهجري. وبالمقابل فقد هاجر الأفغان إلى المدن المقدسة، کالمدینة المنورة، النجف الأشرف، کربلاء المعلا، و تخرجوا من مدارسها علماء بارزون، متبحرون في الأصول و الفلسفة و الحکمة، و لدى عودتهم إلى بلدهم قاموا بتأسیس مراکز علمیة فیها، و قد تجاوز عدد المدارس التي أسسها أتباع مدرسة أهل البیت في المناطق التي تسکنها قبیلة هزارة لوحدها الثلاثمائة.

إن عضد الدولة، بعد القرن الثاني و الثالث الهجریان، أجرى مراسم العزاء على الإمام الحسین، و تبعه الصفویون فساروا على هذا النهج، و نخص بالذکر السلطان عباس الکبیر، الذی دعم مسیرة إحیاء ذکرى استشهاد الحسین، و لازالت مستمرة إلى یومنا هذا.

لم ینبر أحد لحد الآن إلى وضع دراسة علمیة و إجراء تحقیق شامل بما یرتبط بالإمام الحسین، سوى العلامة الکبیر هذا، و الذي یعد عمله أساساً محکماً في بیان الصورة الناصعة، ورداً علمیاً على کثیر من الأسئلة التي ظلت طوال التاریخ مبهمة.

إن المؤلف آیة الله الشیخ محمّد صادق نجل محمّد الکرباسي، ولد بجوار مرقد أبي عبد الله الحسین (ع) في الخامس من ذي الحجة عام 1366 هـ (20/10/1947م) و فتح عینه في بیت علم، و درس على أعلام الأمة في کربلاء و النجف و طهران و قم، ثم هاجر إلى بیروت و منها إلى لندن و ذلك عام 1406 هـ (1986م)، و قد ترك في مهاجره تلك آثاراً جلیلة. له کتابات في علم الشریعة، و سائر الفنون و العلوم، و قد تجاوزت مؤلفاته المائة، إلى جانب مصنفاته التي نُشرت بأسماء مستعارة، کما أنشأ مؤسسات ثـقافیة في کل من العراق و إیران و سوریة ولبنان و بریطانیا.

أما بالنسبة إلى أفغانستان، فمما تجدر الإشارة إلیه أن اللغة الأدبیة في أفغانستان کانت اللغة البشتویة، و کان أکثر الأفغانیین من البشتو، و غالبیتهم من السُّـنّة، و لکن هناك بعض القبائل البشتویة هم من الشیعة، و هؤلاء الأقوام من أورکزي، توري، و بنکین، و غیرهم، و قد تخرّج من بینهم المئات بل الألوف من العلماء و الأدباء، الذین ترکوا آثار جلیلة. و قد ظهر من بین هؤلاء عدد من الشعراء الذین نظموا المراثي و الملاحم في حق علي کرم الله وجهه (رض) و معرکة کربلاء، کما أن لهم مشارکات في مراسم العزاء، و فیها یبرزون إخلاصهم و عقیدتهم، و في هذا الجانب، نشیر إلى بعض هؤلاء الشعراء :

 *ملا أحمد شاه، شاعر القرن الثامن عشر المیلادي، الذي یقول :

 بنات یزید وقفن وقفة إجلال و إکبار أمام تلك الصورة التي خلّفها علي الأکبر في التضحیة و الفداء

 فلم ینصرفن حتى أذنت لهم تلك الصورة المشرقة لعلي الأکبر

* خادم حسین (کان حیا سنة 1300 هـ)، الذي درس في کوهات، و نظم الکثیر من الشعر في حق عليّ کرم الله وجهه ( رض ) و کربلاء، و الأئمة، و مما نظمه قوله :

علي الأکبر مرتدي لامة الحرب و زینب تنظر إلیه نظرة الوداع.

تقدم علي الأکبر بقلب منکسر یستأذن أباه في البراز.

فلتبقى مدینة (باره جنار) لیرثي شاعرها، (خداي نظر) بقوله :

یا کربلاء خففي من مصائبك و هولك

إن کل ذرة من غبارك و کل حبّة من ترابك یحمل معها البلاء

* ملا دوست علي، المتوفي عام 1800 م في تیرا، ذلك الشاعر الشعبي المعروف، الذي رثى أئمة أهل البیت، فهو یصور لنا وقعة کربلاء بقوله :

یا عزرائیل أقبل بسرعة لتخبرنا عن قرار العرش

في إزهاق أرواح أهل الشام حیث تُسمع صرخة القاسم من وراء الباب

و هناك أیضا شعراء أعلام من مدرسة الأدب البشتوي، أمثال ریحان، شهسوار، داشترزي، بالا نور الله شاه، الذي کان یسکن في داشترزي. وعلى ذکر داشترزي فلابد من الإشارة إلى الشاعر قمبر علي أورکزي الذي کان یعیش في تیرا، و کان شاعرا شیعیاً یمیل إلى التصوف، و توفي في بیشاور عام 1207 هـ، و دفن بها. و قد طبعت مجموعة حماسیاته في بیشاور. و في هذا السیاق لابد من البیان بأن الهند (البشتویة) و أفغانستان، کانتا تحت سلطة المغول و ذلك في القرن السادس عشر المیلادي، تلك الفترة التي سادت فیها الخرافة بین الناس، وعندها برزت نهضة ثـقافیة بین قبائل البشتو بزعامة بایزید روستان، مما استفاد منها المتکلمین بالبشتو و سائر الأفغان. و في الظاهر أنها کانت نهضة صوفیة عرفانیة، و لدى مراجعة النصوص التي وردتنا في تلك الفترة، والتحقیقات التي توصلنا إلیها، أن بایزید روستان، کان متأثراً بعقائد الشیعة (الإثنى عشریة) و الإسماعیلیة، حیث یذکره مولانا الشیخ اللاهوري، في مقالته تحت عنوان "بوستان مذاهب" : أن بایزید روستان التقى في ملتان بمولانا سلیمان کالنجري الذي کان هو الآخر من الشیعة، و جرت بینهما حوارات سبقت الإعلان عن نهضتـه هذه، و مما یدلنا على ذلك، الأشعار و الآثار التي وصلتنا من أتباعه و أبنائه.

إن النهضة انتشرت في الأواسط البشتویة بعدما قاومها المتکلمین بالبشتویة لسنوات عدیدة، و بقي أثرها إلى یومنا هذا.

إن المهتمین بالتراث الحسیني لابد وأن ینتبهوا إلى أنه لم یصدر لحد الآن أغنى من هذه الدائرة من حیث المحتوى المعرفي و الحلة الجدیدة.

في الخاتمة، أسأل الله دوام العمر و مزید التوفیق لهذا العالم الکبیر والله ولي التوفیق.

 

1423/4/26 هـ = 2002/7/7 م

Afghanistan البروفیسور الدکتور عبد الأحد بن عبد الصمد جاوید

عضو أکادیمیة العلوم (شغل منصب رئاسة جامعة کابل) 

المملکة المتحدة - لندن

........................................................

1- راجع ص 304.