دعم الموسوعة:
Menu

الکتاب الکنز

 

لقد تـناول الحدیث عن الجزء الثاني من دیوان القرن الأول من دائرة المعارف الحسینیة الاخصائي بالحضارة الاسلامیة الدکتور محمد بن عبد الجبار بیك(*)،

وقد وضعه باللغة الانکلیزیة، وقمنا بترجمته الى العربیة.

  

   نشأ الشعر العربي في الجزیرة العربیة قدیماً، حیث ولد العرب أحراراً، ودأبوا على التجوال في الصحراء لاصطیاد الغزلان، وجمع العلف لجمالهم، وعلى السفر نهاراً، وضرب الخیام تحت قبة السماء لیلاً. وکانوا – کلما کانت الظروف مواتیة - یسافرون في قوافل عبر الصحراء العربیة القاحلة، التي تتناثر فیها الواحات، وخصوصاً على السواحل الغربیة لشبه الجزیرة العربیة، من الیمن الى سوریا عبر مکة. ولقد عاش العرب الحریة بکل معانیها، إما کبَدوٍ رُحّـل، أو کحَضَرٍ مستقرین في واحةٍ ما. وکانوا یسیّرون أمور حیاتهم بواسطة العادات القبلـیة القدیمة والحکم العرفي، ولکن دون الخضوع لسلطة ملكٍ معین، ولم یکونوا من دافعي الضرائب لأي دولة. وهم لم یقرأوا الکتب، لأن معرفة القراءة والکتابة کانت غیر مألوفة – تقریباً -. بَیْدَ أنهم تـناقلوا الأمثال والأقوال المأثورة شفهیاً، وأنشدوا الشعر المنظوم من قبل شعرائهم القَـبَلیـین.

   وقد قامت نظرة العرب التـقلیدیة الى العالم، على أساس من الحکمة القدیمة المتـناقلة عبر تراث شفهي، فخیالهم واسعاً، وقد عبـدوا أصناماً تمثـل آلهـتهم، منحوتة من الخشب والحجارة. وکان لدیهم عدد کبیر من الآلهة في مکة، الواقعة في الحجاز، حیث کانوا یجتمعون للحج والطواف حول الکعبة المقدسة.

   کان القبلیون من غیر القرشیـین یـؤدّون جزءً من شعائر الحج عراة. وقد وصف المصطلح العربي طریقة الحیاة العربیة هذه بکونها "جاهلیة " صریحة. ولقد اتسمت الجزیرة العربیة قدیماً بجهلها بالتـنویر الروحي قبل قدوم الاسلام، کصیاغة جدیدة للروحانیة.

   وکان عرب ما قبل الاسلام متمرّسین في الشعر والأمثال والأنساب. وبالرغم من ذلك عاشوا حیاة بدائیة. ولقد کان للشعر العربي القدیم باع طویل من التطور والنمو، قبل نشوء نظام سیاسی واجتماعی في الجزیرة العربیة. ومن الغریب حقاً، أن الشعر العربي قد ازدهـر في وقت لم یعط الدین نوراً هادیاً لأولئك الوثنیّین.

   في تلك الأیام، کان للشعر العربي قافیة منتظمة، وقد قُسّم الى ثلاثة أنواع أو موضوعات رئیسیة: المدح والهجاء والفخر. وکان ذلك الشعر مستودعاً للمفردات العربیة، ومعبّراً عن الحسّ الجمالي للعرب، وشعورهم الانساني بالکبریاء والکرامة.

   وکان لکل قبیلة شاعرهم المقـتدر، للاحتـفال بانتصارات القبـیلة في الحروب بین القبائل، فیحثّ رجال قبیلته على الحفاظ على سمعة القبیلة ویمجّد أبطالهم. وهکذا فان الشعراء کانوا یروّجون للعصبیة القبلیة، وفي وقت السلم، کان الشعراء یرفّهون عن أبناء قبائلهم ویقومون بتسلیتهم عبر ذِکر أنساب تـلك القبائل، الأمر الذي یثـیر الفخر والاعتـزاز. وعندما افتـقد الشعراء المُثـل، انشغلوا بموضوعات عبثیة، وهکذا، فقد کان الشعراء فنانین قبلیین في الجزیرة العربیة قدیماً.

   ومع قدوم الاسلام، حدثت ثورة اجتماعیة، إذ امتلأ أتباع الدین الجدید بالإحساس المرهف بالمثالیة والفضیلة. وأخذ الناس - في ظل النظام الاجتماعي الجدید - یستهجنون القیم التقلیدیة التي وردت في القصائد القدیمة، وفقد الشعراء موقعهم القدیم. ولکن الشعر بقي أثیراً على النفوس، کفن شعبي من شأنه التعبیر عن التجربة الجمالیة الجدیدة، في الوسط الاجتماعي الاسلامي. وفي حین احتـفظ الشعراء بفنِّهم التـقلیدي، لکنهم غیّروا محتویات شعرهم لتـتحدث عن مجد الاسلام.

   وقد بادر علماء عرب معاصرون الى جمع نماذج على الشعر الاسلامي في بواکیره، وأعدوا مقتطفات أدبیة مختارة من تـلك الأشعار، تضمّـنـتها کتب من مثل: (الشعر والدعوة للاسلام في عصر الرسول).

   وتتضمن مجموعة شعریة مماثـلة جرى تحقیقها واستـقصاؤها من مصادر عربیة قدیمة، أشعار عهد الرسول والخلفاء الأربعة. وقد جمعت هذه المختارات الأدبیة عیّنات من الأشعار العربیة القدیمة، مبرهنة على أن الشعر العربي کان بمثـابة فن شعبي، بین أوساط الصحابة، وان العدید من أتباع الرسـول کانوا شعراء، وفي مقدمتهم حسان بن ثابت، عبد الله بن رواحة، وکعب بن مالك. ولقد کان من بین أشهر الصحابة العدید من الشخصیات التي کانت تمتلك عبقریة شعریة، ومن هؤلاء علي بن أبي طالب، حمزة بن عبد المطلب، المقداد بن الأسود، عمـار بن یاسر، وأبو بکر، وخالد بن الولید، والزبـیر بن العوام، وعمر بن الخطاب، وعمر بن معد یکرب، وغیرهم. کما کان هناك العـدید من الصحابیات الشاعرات.

   وهکذا فقد وُظّفَ فنّ الشعر لخدمة الأهداف الاسلامیة. إذ تضمّن الشعر العربي خلال عهد الرسول وصدر الاسلام مفاهیم عن الله ورسوله، والصلاة، وفضائل الشخصیة النبیلة، والمهاجرین والأنصار، والأخـوّة، والشهادة، وحیاة ما بعد الموت، ومباهج الفردوس وویلات الجحیم، والرحمة والمغفرة الإلهیة.

   ومجموعة الأشعار الحالیة التي جمعها الشیخ الکرباسي، تـنتمي الى حدٍ ما، الى ذلك الصنف نفسه، إضافة الى أنها تتضمن رسالة دینیة وأخلاقیة.

   لقد کانت مفاجأة سارّة لي أن یُطلب مني کتابة مقدمة الکتاب الثاني الذي یحتوی على مختارات من القصائد العربیة، تحت عنوان " دیوان القرن الأول " للشیخ محمد صادق محمد الکرباسي. وتعود أشعار الکتاب تعود الى العدید من الأشخاص المعاصرین للجیلین الأولین من المسلمین، الذین کانت لدیهم عبقـریة شعریة، خلال القرن الإسلامي الأول، الموافق للـقرن السابع المیلادي.

   وعمل المؤلف بدأب، لیس فقط على المقارنة بین الأبیات المقتطفة والأشعار القصیرة المعبّرة عن عاطفة وتبجیل إسلامي أصیل وحب لأهل البـیت، وتـقیـیمها، بل وقدّم في الهامش أیضاً معلومات تاریخیة موجزة عن کل شاعر ورد شيء من شعره في الکتاب.

   إن رسالة هذه المختارات ذات طبیعة تـتّسم بتـقدیسها لشخصیة الإمام الحسین بن علي بن أبي طالب وشهادته.

   وقد نُظم العدید من الأبـیات والمقـتـطفات الشعریة المذکورة في دیوان القرن الاسلامي الأول، من قبل الجیلین الأولین من المسلمین ( الصحابة والتابعین).

   والامام الحسین لیس بحاجة الى تعریف للمسلمین به، ولکن أشعار الدیوان هي تذکرة للمودة التي تـشعر بها الأمة الاسلامیة (أو جزء منها) نحوه.

   وتخدم مقـتطفات الأبیات المستَـشهد بها في الدیوان، الهدف العام لمدح ورثاء الحسین کشهید إسلامي عظیم، من الجیل الشاب للمسلمین الأوائل. ولقد تمیّز الامام الحسین بأشیاء عدیدة:

   أولا- لقد کان السبط المحبوب لرسول الاسلام وواحداً من أهـل البیت، کما کان – أیضاً – ابناً لوالدین عظیمـین (هما إبنا عـمّ ) من الصحابـة الذین کانـوا وما زالوا محترمـین من قبل المسلمین في کل أنحاء العالـم.

   ثانیاً- کان الامام الحسین ذاته، هو من دعاه العلماء المسلمون بالصحابي الصغیر - في العمر – حیث ولد بعد هجرة الرسـول من مکـة الى المدینة، وبعبارة أخرى کان صحابیاً وابن صحابي.

   ثالثاً- کان الامام الحسین أکثر شهداء الاسلام رثاءً، وقد استـشهد في کربـلاء في محرم عام 61 هـ الموافـق لأیـلول (سبتمبر) عام 680 م.

   رابعاً- لقد کان له الشرف النادر لکونه شهیداً وابن شهید. وکما ورد في سیرته، فلقد کان کل من الامامین الحسن بن علي والحسین بن علي سیداً لشباب أهل الجنة. لقد حصل الامام الحسین بن علي على مرتبة من الشرف والمودّة لم یُسجل التاریخ مثلها، حیث تحیي ذکرى استـشهاده في العاشر من محـرم (عاشـوراء) کل عام، في أنحاء العالم الاسـلامي، وبلدان العالم.

   ولم تـنظم الأشعار العربیة المخلدة لشهادة الإمام الحسـین من قبل بني هاشم وأهل البـیت فقط، بل وکذلك من قبل أبناء صحابة الرســول، مثل عبد الله بن الزبیر، ومصعب بن الزبـیر، عبد الله بن العباس وأخیه الفضل بن العباس، الخ … ومن بـین أصحاب الأشعار المذکورة في الکتاب من له شخصیـته التاریخیة مثـل محمد بن الحنـفیة، والمختار بن أبی عبـیدة الثـقـفي، وابراهیـم بن مالك الأشتر، وآخرون. وقد ذُکرتْ أیضاً أبـیات مکتوبة من قبل خمسة أو نحو ذلك من شعراء البـدو غیر المعروفـین.

إن رثاء الامة الاسلامیة لتضحیة الحسین العظیمة في سبیل قضیة الاسلام، مازال حیاً حتي یومنا هذا، کما کان خلال القرون الأربعة عشر المنصرمة من تاریخ الاسلام.

 

   ولکن أکثر الأبـیات المذکورة إثارة للدهشة والاستغراب تاریخیاً، هي تلك التی زُعم أن معاویة بن أبي سفیان ألّفها، وکذلك تلك المنسوبة لمروان بن الحکم، وأمویـین آخرین. حیث تمّ ضمهم الى من یُثـنی على شهـید أهل البـیت العظیم. ومن الغریب تاریخیاً أن نقرأ في هذا الدیوان بعض الأبـیات المادحة للإمام الحسین، والتی یُـزعم أن ناظمها هو الملك الأموي یزید بن معاویة والمذکـورة فی الدیـوان (أنظر الصفحات 127، 141، 152، 155، 234، 235، 263 ). ولیس ثمة شك في أن یزید السيء جداً کان شاعراً مفوّهاً، وقد نشر صلاح الدین المنجد مؤخراً أشعاره لإثبات ذلك، ولکن هناك شکاً یرتکز على نسبة بعض هذه الأشعار لهذا الشخص أو لغیره. ومن المحتمل أن تکون هنالك أشعار نظمت من قبل شعراء مزیـّفین ونُسبت الى شخصیات سیاسیة. فمن غیر المحتمل جداً أن یرثي شمر بن ذي الجوشن، الامام الحسین بن علي. حیث أن قرّاء تاریخ الاسلام المبکّر یعرفون حق المعرفة أن شمراً هذا، هو الذي ذبح الامام الحسین في کربلاء، کما ذکر المؤرخ الیعقوبي. کیف یمکن لمثل هذا القاسي أن ینظر بشفقة الى الامام الحسین ؟ من ذا الذي سمع عن قاتـل یثني على ضحیته ویرثیها، بعد ارتکابه الجریمة الشنعاء ؟ إن مثل هذه الأبیات یمکن أن تکون مزوّرة. ومع ذلك فقد أفرد المؤلف بحثـاً کاملاً حول أصالة أو موثوقـیة تلك الأبیات في فصل (نقاشات ناشئة عن الأشعار التي ستـظهر لاحقاً في السلسلة). على أیة حالة، فباب السؤال مفتوح أمام القراء، وجـیل المستـقبل من النقّاد.

   وفي سِیَر القـدّیسین، یُصرف النظر، طبعاً، عن التـناقضات، طالما أن المادة الأدبیة تخدم الغرض المطلوب.

   إن مؤلف "دیوان القرن الأول" یستحق الشکر لجهوده التي بذلها في مقارنة الأبیات ببعضها، وتـقیـیمها. وکذلك لتـقدیمه شروحاتٍ لکلماتٍ عربیة صعبة ونادرة، وملاحظات ذات صلة بسیر حیاة ناظمي الأبیات، التي أنشأؤها إجلالاً لفضائل شهید الاسلام العظیم، الحسین بن علي بن ابي طالب.

   إن رثاء الامة الاسلامیة لتضحیة الحسین العظیمة في سبیل قضیة الاسلام، مازال حیاً حتي یومنا هذا، کما کان خلال القرون الأربعة عشر المنصرمة من تاریخ الاسلام.

   وفي الواقع، إن أبیات الدیـوان وأشعاره لیست إلا النـزر الیسیر مما کان موجوداً في وقتٍ ما، ولکنه ضاع لعدم تسجیل الأجیال السابقة له.

   ویُقدّم الکتاب کنزاً یحتوي على 317 مقتطفاً مختـلفاً من الأشعار، والتي تُعد جزءً من التراث الاسلامي، وتـذکرةً بالمنزلة السامیة للامام الحسین في سیر القدیسین في الاسلام.

   إن دور الامام الحسین بن علي، کمثـلٍ یُحتـذى من قبل الشباب المسلم سوف یستمر في إلهام الأجیال المسلمة القادمة. وسیلعب هذا الدیوان دوراً هاماً في إحیاء ذکرى الشهادة العظیمة لشخصیة مقدسة.

   إن السادة الحقیقیـین، الذین لعبوا دوراً هاماً في التاریخ الاسلامي، هم من نسل الإمام الحسین، ویتعیّن علیهم أن یستمروا في لعب دورهم في الحفاظ على التراث والدعوة الیه، والکفاح المتواصل من أجل الإسلام الذي ضحّى من أجله جدّهم الحسین بن علي، شهید کربلاء العظیم>

  

  

England India المملکة المتحدة

کامبرج الدکتور محمد عبد الجبار بیك

-----------------------------------------------------------------

(*) ولد الدکتور بیك عام 1363 هـ ( 1944 م) في دیناجـبور في الهند.

 تخرج من جامعة راجه شاهي في الهند، ونال على شهادة البکالوریوس فالماجستیر في التاریخ والثـقافة الاسلامیة.

 کما تخرج من جامعة کامبرج – المملکة المتحدة عام 1391 هـ (1971 م) وحاز على شهادة الدکتوراه في تاریخ العلوم العربیة والاسلامیة.

 عمل في قسم التعلیم بالمفوضیة الباکستانیة في لندن، کما اشتغل في المتحف البریطانی کخبیر في اللغة عام 1392 هـ ( 1972 م).

  عمل في قسم الالهیات في الجامعة الوطنیة ( کبان کسان ) في مالیزیا عام 1394 هـ (1974 م) کمدرس لمادة التاریخ الاسلامي. ثم نال على کرسي التدریس بقسم الدراسات العربیة والحضارة الاسلامیة في الجامعة الوطنیة نفسها ما بین عام 1398 – 1405 هـ = ( 1978 – 1985 م) کما نال على کرسي التدریس أیضاً بجامعة بروني دار السلام في مدینة سري ببکادان – بروناي، وذلك في العام 1406 هـ (1986 م).

 أستاذ زائر بجامعة کامبرج في تاریخ الشرق الأوسط في القرن العشرین.

 له مؤلفات بلغت 12 مؤلفاً باللغة الانکلیزیة، منها:

1- تصورات في الحضارة الاسلامیة.

2- الحکمة في الحضارة الاسلامیة.

3- الفنون الجمیلة في الحضارة الاسلامیة.

4- صور الحضارة.

5- الاسلام والحضارة.

6- مفهوم الحضارة عند الاسلام والغرب.

   کما أن له مقالات حول الاسـلام نُشرت في کل من دائرة المعارف الاسلامیة الصادرة من لیدن، ومن استـامبول، بالاضافة الى مقالات عن العالم الاسلامي الحدیث، نشرت في موسوعة أکسفورد الصادرة من نیویورك.

   شارك في عدد من الندوات الفکریة تحدث فیها عن الحضارة الاسلامیة.